6.4 C
Damascus
الأحد, نوفمبر 24, 2024

ملف محاسبة الأسد من جديد بين أروقة المحاكم الدولية ومختصون لوكالة سنا: خطوة مهمة في مسار العدالة

شهد ملف محاسبة نظام الأسد على جرائم الحرب المتهم بارتكابها، نشاطاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، والتي جاءت بعد عمليات التقارب والتطبيع بين نظام الأسد وعدد من الدول العربية، بهدف إعادة تعويمه.

فقد أصدرت محكمة العدل الدولية، أمراً لنظام الأسد، الخميس 16 تشرين الثاني الحالي، باتخاذ إجراءات لوقف التعذيب، كأول إجراء قانوني دولي بحقه، وسبقه بيوم واحد إصدار محكمة فرنسية مذكرة توقيف بحق رأس النظام بشار الأسد، وشقيقه ماهر، وذلك على خلفية اتهامهما مع آخرين بالتورط بارتكاب مجزرة الكيميائي في الغوطة الشرقية عام 2013، التي تعد من أكثر المجازر وحشية التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري.

وقالت العدل الدولية في قرارها، إنه يجب على نظام الأسد أن “يتخذ كل التدابير لمنع أعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو القصاص، القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.

كما أصدر قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا يوم الأربعاء 15 تشرين الثاني الحالي، مذكرات توقيف بحق رأس النظام بشار الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة، واثنين من معاونيه (العميدان غسان عباس وبسام الحسن)، بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة.

ويرأس العميد غسان عباس، الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، ويشغل العميد بسام الحسن، منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الإستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية السورية.

مكافحة سياسات الإفلات من العقاب

وفي قراءته لهذه التحركات القضائية، قال المختص في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، إن كل هذه التحركات القضائية تشكل جزءاً من أجزاء العدالة لسورية، موكداً أن هذا يقف بوجه التحرك العربي في تعويم مجرم الحرب بشار الأسد.

وأضاف في حديثه لوكالة سنا، أن المجتمع الدولي يعمل على مكافحة سياسات الإفلات من العقاب في سورية و تأكيداً على أن جهود الضحايا و ذوي الضحايا السوريين المستمرة منذ أكثر من ١٠ سنوات لم تذهب سدىً، وهي ضرورة حالياً في ظل تعنت نظام الأسد في عدم التزامه بقرار الأمم المتحدة بما يخص السلام في سورية و بالأخص تطبيق القرار ٢٢٥٤.

الجرائم الأشد خطورة

وفيما يخص قرار المحققين الجنائيين لدى جرائم الحرب الفرنسية أشار الكيلاني إلى أهميته، فهو وفق ما قال “قرار تاريخي تجاوز الحصانة الرئاسية”، وتعليلهم لذلك ان تلك الجرائم الأشد خطورة لا بد من محاسبة مرتكبيها، وجاء ذلك بعد حصولهم على رابط قوي بين القصر الجمهوري ” صاحب القرار ” و مركز البحوث العلمية ” مصنع السلاح ” و الفرقة الرابعة ” المنفذ “، و حالياً سيتم تعميمها الى الإنتربول الدولي لجلبهم للتحقيق و في حال لم يحضروا ، هنالك يمكن طلب قضاة التحقيق من مكتب الادعاء العام البدء بالمحاكمة الغيابية التي يقبل بها القانون الجنائي الفرنسي.

في حين علق نائب رئيس رابطة “ضحايا الأسلحة الكيميائية ” ثائر حجازي على التحركات القضائية الأخيرة بقوله، إننا لا يجب أن نعطي حجماً كبيراً لهذه التحركات بأن المجتمع الدولي بدأ بمحاسبة نظام الأسد على “كل الانتهاكات التي ارتكبها بحق السوريين”، فالمسؤولون السوريون وضباط المخابرات ورؤساء الأفرع الأمنية لديهم حصانة من المحاسبة حسب القوانين السورية وهم موجودون في سوريا ولايوجد مسار تقاضي دولي للمحاسبة عن الانتهاكات التي ارتكبت في سوريا في محكمة الجنايات الدولية بسبب الفيتو الروسي والذي منع تحويل ملف الانتهاكات في سوريا الى الجنائية الدولية .
نحن أمام “خطوات بسيطة” في طريق المحاسبة الطويل أمام العدد الهائل من الانتهاكات ضد السوريين.

وأشارت منظمات نشطت في تحريك الدعوى، إلى أن المذكرة التي تشمل الأسد وشقيقه الذي يقود الفرقة الرابعة في قوات النظام، وهي الفرقة الأكثر وحشية في التعامل مع السوريين، بالإضافة إلى عباس والحسن، جاءت بسبب استخدام الأسلحة المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، علماً أن جهات معارضة أخرى تشير إلى أن أعداد الضحايا تجاوزت 1450 مدنياً حينها.

وجاء هذا الإجراء القضائي الذي اتخذه قضاة التحقيق الفرنسيون في أعقاب تحقيق جنائي أجرته الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس، حول الهجومين بالأسلحة الكيميائية في آب 2013.

قيمة قانونية

ويرى حجازي أن مذكرة التوقيف الأخيرة التي صدرت في فرنسا بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر والعميد بسام حسن والعميد غسان عباس, لها “قيمة قانونية”، إلا أن مفاعيلها من الممكن الاستفادة منها “سياسياً” نوعاً ما، في دحض محاولات التطبيع مع نظام الأسد، التي تجري على قدم وساق، فمذكرات التوقيف تنسق الجهود الرامية إلى إعادة بشار الأسد إلى الساحة مجدداً.

وأضاف حجازي أن الكل يعرف أن بشار الأسد لا يمكن أن يمثل أمام المحكمة، ولكن من الممكن لاحقا بعد مضي فترة حسب الاجراءات في القانون الفرنسي أن تحال الدعوى إلى المحكمة ليحاكم بشار الأسد وشقيقه غيابيا ، وهذا يكون خطوة بسيطة قد تساهم في تحسين مسار العدالة في سورية.

وفي ما يتعلق بقرار “العدل الدولية”، بفرض التدابير المؤقتة على الحكومة السورية في وقف التعذيب و الاحتفاظ بسجلات السجون اعتبر المعتصم الكيلاني، أن ذلك دليل آخر على أن المحكمة أصبح لديها القناعة الكاملة في إدانة حكومة نظام الأسد لممارسة التعذيب على شعبها، نتيجة الأدلة المقدمة من قبل مملكة هولندا ودولة كندا في شكواهم ضد حكومة نظام الأسد، بسبب عدم التزامها في تطبيق و احترام اتفاقية مناهضة التعذيب الموقعة عليها.

وقال الكيلاني، إن الفضل الأول و الأخير هنا يعود إلى الضحايا و ذوي الضحايا والشهود والمنشقين عن نظام الأسد، الذين يبذلون قصارى جهدهم في كشف تلك الجرائم و توثيقها، و أيضاً بجهود المنظمات الحقوقية السورية و المحامون في دعم جهود الضحايا و ذويهم.

تفعيل الإرادة الدولية

في حين اعتبر ثائر حجازي أن ما يحدث مؤخراً في محكمة العدال الدولية والمذكرة الفرنسية بحق بشار الأسد وشقيقه ماهر واثنين من مساعديه، يدخل في سياق الشكاوى التي تم رفعها في أوربا في كل من فرنسا ألمانيا السويد، وتتعلق بأشخاص سوريين تعرضوا لانتهاكات وكان الجاني أو المشتبه به موجود بإحدى الدول الأوربية، مثل ألمانيا في محاكمة أنور رسلان وإياد غريب في محكمة كوبلنز، فهذا أعطى الصلاحية والاختصاص للقضاء الألماني بتحريك الدعوى وفتح تحقيق مع الأشخاص الموجودين على أراضيها، رغم أن الجريمة ارتكبت في فرغ الخطيب في سورية.

وأشار حجازي، إلى أن هناك أنماط من الانتهاكات لم يتم فتح تحقيق فيها بعد، يوجد فيها عدد كبير من الأدلة والإثباتات لدى المنظمات الدولية والأمم المتحدة والهيئات التي تتابع حقوق الإنسان والانتهاكات التي ترتكب بحق السوريين، فهذه الأدلة بحاجة تفعيل القرارات الأممية والإرادة الدولية، لمحاسبة نظام الأسد وكل المجرمين على كل أنماط الانتهاكات التي ارتكبوها بحق السوريين.

مسار تقاضي واضح

وبحسب حجازي، فإنه يمكن الاستفادة من القرارات الأخيرة التي تصدرها المحاكم في أوروبا على صعيد مواصلة القضية السورية، وأن هذه القرارات صدرت بعد جهود حثيثة من التحقيقات وسماع شهود ناجين من الضربات الكيماوية أو من عمليات التعذيب، ومن الممكن أن نستفيد من التحقيقات الجارية في مناصرة قضايا ضحايا الانتهاكات في سورية، في سبيل دفع المجتمع الدولي ليكون هناك مسار تقاضي واضح.

ويرى حجازي أن الجهود السورية “شجاعة في سبيل محاسبة المجرمين على انتهاكاتهم”، كذلك هناك تعاون من قبل المنظمات والهيئات والروابط مثل رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية، التي قدمت عدداً جيداً من شهود الناجين من ضربة الكيماوي في الشهر الثامن من عام 2013 في مجزرة عين ترما وزملكا، ومجزرة دوما في آب 2013، وسماع القضاة بإفادات الشهود في الدعاوى المرفوعة ضد النظام، وهو جهد بسيط من جهود السوريين في سبيل مناصرة القضية السورية المطالبة بإنشاء” مسار تقاضي” يحترم التضحيات التي بذلها السوريون في الحرب، والذين ارتُكب بحقهم عدد كبير من أنماط الانتهاكات.

وقال إن توصيات محكمة العدل الدولية التي تلزم نظام الأسد بعدم ممارسة عمليات التعذيب في سجونه، هو “إدانة لهذا النظام” بارتكابه لعمليات تعذيب ممنهجة، مشيراً إلى أن السوريين بإمكانهم استخدام هذه القرارات في مناصرة قضايا حقوق الانسان في سورية، واستخدامها في وجه المطبعين الذين يحاولون تعويم نظام الأسد، وفي الأروقة القانونية، لدفع مسار المحاسبة أكثر في سورية.

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن قرار “محكمة العدل الدولية” في 16 تشرين الثاني 2023، والذي يطالب سورية باتخاذ جميع الإجراءات التي في وسعها لمنع أعمال التعذيب وغيرها من الانتهاكات، هو “خطوة فارقة نحو حماية المدنيين في البلاد”.

وأضافت، أنه في 8 حزيران 2023، رفعت هولندا وكندا قضية تقولان فيها إن سورية تنتهك “اتفاقية مناهضة التعذيب”، والدول الثلاث هي أطراف في الاتفاقية، وهذه القضية ليست دعوى جنائية ضد أفراد، لكنها تسعى إلى الحصول على حكم قانوني بمسؤولية الدولة عن التعذيب، ويستجيب أمر المحكمة الصادر في 16 تشرين الثاني لطلب هولندا وكندا باتخاذ “تدابير مؤقتة”، لوقف الانتهاكات المستمرة ودعم الخطوات اللازمة للإجراءات المستقبلية، و أمر محكمة العدل “ملزم قانوناً لسورية”.

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار