تتباين الآراء والمواقف الدولية والإقليمية بعد ليلة ساخنة على الميليشيات الإيرانية في سورية، والتي قتل فيها مستشاران اثنان وقياديان آخران من ميليشيا “الحرس الثوري”، جرّاء استهداف الاحتلال الإسرائيلي لملحق السفارة الإيرانية في دمشق، وفق وكالة تسنيم الإيرانية.
وقتل بالغارة الإسرائيلية القيادي في ميليشيا “الحرس الثوري” الإيراني محمد رضا زاهدي، وعناصر في الميليشيا، إضافة إلى دبلوماسيين إيرانيين.
الأسباب والتداعيات
يرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معرواي أن التفاهمات الضمنية بين تل أبيب وطهران قد سقطت بعد السابع من أكتوبر، والتي كان عرابها الرئيسي هو روسيا وتحظى بموافقة أمريكية أيضاً، متمثلة بتنظيم قواعد الاشتباك بين دولتي الاحتلال الاسرائيلي والإيراني في سورية، وسقطت أيضاً تفاهمات 2006 بين ميليشيا حزب الله وإسرائيل في لبنان، وصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701.
وقال معرواي في حديثه لوكالة سنا: إن إستراتيجية جز العشب أو الحرب بين الحروب أو الحرب الرمادية لن تعد صامدة بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية، وكل تلك المصطلحات هي لتوصيف حالة العداء المضبوط أو المنظم في سورية بينهما، بحيث كان الطيران الإسرائيلي يستهدف أسلحة نوعية تشكل خطراً عليه ولا يستهدف مراكز القوة الرئيسية الإيرانية في سورية، ولا يلق بالاً لكل النشاط التبشيري الإيراني وليس معترضاً على دعم الأسد وإبقائه في قصر المهاجرين.
ومضى معراوي في حديثه قائلاً “كل التفاهمات السابقة سقطت بعد أن أيقنت إسرائيل أن إيران لم تلتزم بالتفاهمات وقامت عبر الفصائل في غزة بتهديد الأمن الإسرائيلي تهديداً وجودياً، ولم تنفع كل محاولات إيران وأذرعها بالقول إن حماس والجهاد قاما بالعملية دون موافقتهما”.
وأضاف أن إسرائيل اتخذت قراراً إستراتيجياً لتجنب طوفان آخر يأتيها من الشمال، والذي تتفق معه الولايات المتحدة بالأهداف وتختلف بالتكتيكات المتبعة، وبسبب حرص البيت الأبيض ونظام ولاية الفقيه على عدم توسيع الحرب وضبطها في حدود غزة مع تصعيد مدروس في لبنان وسورية، إلا أن نتياهو وحكومة الحرب يريدون إنهاء التهديد على إسرائيل من الشمال وعدم ترك السكين الإيرانية على الرقبة الإسرائيلية سواء رضي بايدن أم لم يرض.
وتقوم اسرائيل باستفزاز الميليشيات الايرانية وحزب الله استفزازاً كبيراً لكي يردوا عليها وتتذرع بهذا الرد لشن حرب صاعقة على الحزب في لبنان والميليشيات الطائفية في سورية، ولجأت بذلك للانتقال من حرب الوقاية مع الحزب والحرس الثوري إلى المطاردة والملاحقة وباتت تغتال قيادات مهمة من كليهما، وذلك أملاً في الحصول على الرد منهما بعد أن استكمل الجيش الإسرائيلي كل استعداداته التعبوية والخططية، وترك عدداً محدوداً من القوات للتعامل مع رفح، وفق ما قال معراوي لوكالة سنا.
توقيت استهداف القنصلية
وفق معراوي فإنه وفي ظل التأييد الشعبي الإسرائيلي للحرب والتأييد الشعبي الأمريكي لإسرائيل (79%) في آخر استطلاعات الرأي، وفي ظل ضعف بايدن قبل 7 أشهر من الانتخابات الرئاسية، جاء توقيت ضربة إسرائيل لمبنى رسمي إيراني في دمشق وهو”القنصلية الايرانية”، ويعتبر بالقانون الدولي هو أرض إيرانية في سابقة تصعيدية، ورسالة للرئيس الأمريكي”لن نلتزم بأي تفاهم بينك وبين طهران”، والذي جرى مؤخراً في عاصمة سلطنة عمان “مسقط”.
ويعتقد معراوي أن كرة النار تتدحرج ولن تستطيع إيران وحزب الله تفادي الحرب (وهم فعلوا ذلك على مدى 6 أشهر)، وسيجدون أنفسهم في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي، حينها سيكون مستقبل الأسد على “كف عفريت”، على حد وصفه.
نتنياهو والهروب إلى الأمام
من جانبه قال المحلل السياسي حسن النيفي لوكالة سنا، إن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق يأتي في سياق التصعيد الذي بدأت به إيران منذ شهر تقريباً، إذ بدأنا نلاحظ أن إسرائيل بدأت تستهدف جموعاً وأهدافاً بشرية تابعة لأذرع إيران في المنطقة، وذلك على خلاف المرات السابقة التي كان استهدافها مقتصراً على المواقع والأهداف العسكرية.
وأرجع النيفي في أسباب التصعيد الإسرائيلي إلى أمرين، الأول هو الأزمة المتفاقمة التي يواجهها نتنياهو أمام الشعب الإسرائيلي وخصومه من الأحزاب، بسبب فشله في تحقيق أي منجز هام في حرب غزة.
فضلاً عن فشله في استعادة الأسرى لدى حماس، إضافة الى قضايا الفساد التي يلاحقه بها القضاء منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى، ويبدو أن نتنياهو لم يبق لديه سوى الهروب إلى الأمام وترحيل أزمته إلى خارج إسرائيل لعله يحقق منجزاً عسكرياً ما يغطي على فشله في مواجهة حماس، على حد قوله.
السبب الآخر وفق النيفي، هو أن هدف نتنياهو هو الضغط على إيران من أجل أن تضغط بدورها على حماس للقبول بشروط نتنياهو لوقف الحرب.
هذا وبحسب ما نقلت ” قناة الجزيرة” فإن مجلس الأمن القومي الإيراني قد أعلن اتخاذ القرارات المناسبة بشأن الهجوم على القنصلية الإيرانية بدمشق، دون توضيحات أخرى.
وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تعليقاً على الهجوم: “على الكيان الصهيوني أن يدرك بأن هذه الجريمة الجبانة لن تبقى دون رد”.
فيما نفت الولايات المتحدة الأمريكية علمها بالغارة الجوية على المبنى القنصلي الإيراني بدمشق، قبل وقوعها، ونقلت شبكة “NBC” الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين أن إدارة الرئيس بايدن أبلغت إيران بأن واشنطن لم تكن على علم بالهجوم على قنصليتها بدمشق.
وحمّلت إيران الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية عن الهجوم على المبنى القنصلي بدمشق، بحسب وكالة “تسنيم” الإيرانية، وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في منشور على منصة “X”، إن المدير العام لشؤون أمريكا في وزارة الخارجية، استدعى، فجر أمس الثلاثاء مسؤول السفارة السويسرية، بصفته راعي المصالح الأمريكية في إيران.
وحمّل عبد اللهيان واشنطن المسؤولية عن الهجوم، قائلاً: “تم إرسال رسالة مهمة إلى الحكومة الأمريكية باعتبارها مؤيدة للكيان الصهيوني. ويجب محاسبة أمريكا”.
إسرائيل تنفي
لم تتبنَ إسرائيل القصف الذي استهدف المبنى القنصلي في دمشق، كما رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري التعليق على الهجوم، وقال في مؤتمر صحفي: “نحن نركز على أهداف الحرب، وسنواصل عمل أي شيء يسهم في تحقيق تلك الأهداف”.
وقالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، إن الهجوم “لم يستهدف مبنى السفارة الإيرانية، بل مبنى مجاوراً للسفارة كان بمثابة المقر العسكري للحرس الثوري”، وأضافت أن “جميع القتلى في الهجوم عسكريون إيرانيون، قاموا بنشاط عسكري هناك لفترة طويلة من الزمن”.