فتح مقتل القيادي في هيئة تحرير الشام “أبو ماريا القحطاني” ليلة أول أمس الخميس، الباب أمام تساؤلات كثيرة، فكانت الآراء متباينة حول من يقف وراء مقتل القحطاني ومن المستفيد من ذلك، وماهي تداعيات مقتله على هيئة تحرير الشام وبيتها الداخلي، وكيف كانت مسيرة القحطاني التي بدأت من العراق وانتهت بسورية.
وقدّمت “هيئة تحرير الشام”، صاحبة السيطرة العسكرية في إدلب، تفاصيل مقتل القحطاني وإصابة ثمانية أشخاص بتفجير داخل مضافته في مدينة سرمدا شمالي إدلب.
وقال رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في ” تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون، إن “القحطاني قتل جراء هجوم باستخدام حزام ناسف، نُفذ على يدي عنصر ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية”.
ونشرت مؤسسة أمجاد الإعلامية التابعة لـ”الهيئة” صوراً تظهر بقايا صواعق الحزام الناسف، وجثة قالت إنها بقايا الانتحاري الذي فجر نفسه بحزام ناسف، وللسيف الذي خرجت رواية له على أنه مفخخ.
أحد الناجين من عملية الاغتيال، قال في تسجيل مصور تداوله رواد وسائل التواصل الاجتماعي، قال إنه بينما كان جالساً في مضافة مع “أبو ماريا القحطاني” وعدد من الضيوف، جاء ثلاثة أشخاص يرتدون “كلابيات وشماخات” ومعهم صندوق فيه سيف، تركوه جانباً وجلسوا، ولم يتحدثوا أبداً.
وأضاف، عندما أرادوا الخروج أعطوا السيف لـ”أبو ماريا”، ومن ثم خرج اثنان بشكل عاجل وبقي واحد، وحدث الانفجار، وفق قوله.
ويأتي مقتل “القحطاني” بعد 28 يوماً من إفراج تحرير الشام عنه، إثر اعتقاله ستة أشهر على خلفية ملف “العمالة والاختراق والتواصل مع جهات معادية داخلية وخارجية”.
وفي 7 من آذار الماضي، قالت اللجنة القضائية المكلفة بالتحقيق بالملف، إن “القحطاني” بريء من تهمة “العمالة”، لأن الدليل الذي أوقف لأجله ظهر بطلانه، إذ جرى توقيفه بناء على شهادات وردت من موقوفين على التهمة نفسها.
ومنذ عام، تشهد تحرير الشام خلافات داخلية وتصدعات على خلفية ملف “العمالة”، وزجت بكبار قياديي الفصيل في السجن، ثم أفرجت عن معظمهم، واعتذرت منهم.
وتواجه اليوم حراكاً شعبياً ومطالب بإسقاط “الجولاني” ورفض سياسة احتكار القرار.
الأسباب والتداعيات
يرى المحلل السياسي هشام اسكيف أن لدى القحطاني أعداء كثر وليس آخرها الجولاني، ولكن ارتباط مقتله بقضية الاعتقال والاتهام بالعمالة ثم التراجع والإفراج عنه تحت الضغط، يعطي إشارات واضحة لا تخطئها العين بأن أصابع الاتهام متجهة إما إلى الجولاني أو المقربين منه، كتيار بنش أو أبو أحمد حدود.
وقال لوكالة سنا، إن توزيع رواية واحدة من الإعلام الرديف لتحرير الشام، ما هو إلا قرينة بأن الرواية ستكون داعش، مع أن الراوية تم نقضها بالوقائع والشهود.
ويعتقد اسكيف أن لهذا الحدث تداعيات على البيت الداخلي لهيئة تحرير الشام، وأن الصراع سوف يشتعل أكثر داخل صفوفها، لأن تصفية القحطاني تفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات وردود الأفعال، والأطراف داخل الهيئة في مرحلة استعراض قوة، وأن المرحلة القادمة مختلفة تماماً عن المرحلة الحالية.
المنفذ داعش!
فيما رجّح الباحث المختص بشؤون الجماعات الإسلامية عرابي عرابي، أن تنظيم الدولة (داعش) هو من يقف وراء مقتل القحطاني، فالتنظيم له ثأر كبير مع القحطاني الذي يتوعده منذ سنوات، والمؤشرات تقول إن للقحطاني دور بمقتل زعيم تنظيم الدولة، وكان له دور بتفكيك تنظيم داعش في درعا والجنوب السوري، رغم فشله في مواجهة التنظيم في دير الزور، فهو الذي حرض، وله دور كبير بجمع الفصائل ضده في درعا.
وقال عرابي لوكالة سنا، إن تنظيم تحرير الشام لن يتأثر بمقتل القحطاني كثيراً، وغالباً سيجدون القتلة ويقتصون منهم، مشيراً إلى أن مقتله جاء لمصلحة قائد تحرير الشام (الجولاني).
ولم يستبعد عرابي أن تكون عملية اغتيال القحطاني جاءت بتسهيل من بعض الجهات داخل هيئة تحرير الشام، ورغم ذلك فمضافة القحطاني مفتوحة للاستقبال ويدخلها الناس بدون تدقيق أمني، فوجد القتلة فرصة مناسبة للتخلص منه.
واعتبر عرابي أن الصلة الأمنية بين تحرير الشام وبين الأجهزة الأمنية في التحالف ودول الجوار، انتهت بمقتل القحطاني، والتي دفنت معه معلومات أمنية كبيرة، وذهبت بدون أن تُكتشف، مستبعداً أن تتأثر تحرير الشام بذلك.
من هو القحطاني؟
وفق “المركز العربي لدراسات التطرف”، فإن “القحطاني” هو “ميسر بن علي الجبوري” ولد في مدينة الموصل العراقية عام 1976، ويعرف أيضاً ب”الهراري” نسبة إلى قرية هرارة التي نشأ فيها بالعراق.
حصل على دبلوم إدارة الأعمال من “جامعة بغداد” وبكالوريوس في الشريعة الإسلامية، انضم أثناء دراسته الجامعية إلى قوات فدائيي صدام التابعة لـ”حزب البعث”.
التحق بالشرطة العراقية في مديرية أمن نينوى، بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وترك الوظيفة لينضم إلى مجموعة جهادية بزعامة محمد خلف شكارة “أبو طلحة الأنصاري”، إحدى المجموعات التي شكل منها الأردني “أبو مصعب الزرقاوي” جماعة “التوحيد والجهاد”، النواة الأولى لـ “داعش”.
وفي عام 2004 تحولت جماعة التوحيد والجهاد إلى تنظيم القاعدة، حيث أعلن الزرقاوي ولاءه لأسامة بن لادن، وعرف “القحطاني” آنذاك بين مقاتلي التنظيم باسم “أبي حمزة” و”أبي مصعب” و”الشمري” قبل أن يستقر على كنية الغريب المهاجر “القحطاني”.
وتولى قيادة إحدى الكتائب العملياتية التابعة للقاعدة، واعتقل نهاية عام 2004 بعد إصابته في كمين للقوات الأمريكية غربي الموصل، وحكم عليه بالسجن عاماً ونصف في سجن بإدارة الجيش الأميركي، كان مخصصاً لسجناء الحرب العراقيين والجهاديين بشكل خاص.
أفرج عنه 2006 وعين مسؤولاً شرعياً عاماً لـ”القاعدة” لمنطقة غربي الموصل ومسؤول العلاقات العامة مع العشائر، وبعد الإعلان عن “دولة العراق الإسلامية” (داعش لاحقاً) في تشرين الأول 2006، عين مسؤولاً عن “ديوان الحسبة” وعضو “اللجنة الشرعية في مدينة نينوى”.
تعرض للاعتقال ثانية من قبل القوات الأمريكية غرب الموصل عام 2007، وظل في السجون الأمريكية في العراق لمدة أربع سنوات، وأفرج عنه مع قيام الثورات العربية.
من العراق إلى سورية
بعد خروجه من السجن، طلب من قادة “دولة العراق الإسلامية” السماح له بالسفر إلى سورية بدعوى أنه يعاني من مشاكل صحية وبحاجة إلى العلاج، ومجرد وصوله انشق عن التنظيم وترك العمل الجهادي وافتتح محل بقالة في حي شعبي بدمشق وكان يخطط للهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد عام 2011 أرسل زعيم “دولة العراق الإسلامية” أبوبكر البغدادي، وفداً إلى سورية لتأسيس فرع للتنظيم، وعلى رأسه أبو محمد الجولاني، الذي تواصل مع القحطاني.
مطلع عام 2012 شارك القحطاني في تأسيس “جبهة النصرة” بقيادة الجولاني، وشغل منصب “المسؤول الشرعي والقاضي العام للجبهة”، مع تولي إمارة مناطق “الرقة الحسكة دير الزور” واعتمد كنيته “أبو ماريا القحطاني”.
في عام 2014 أصدر “الجولاني” بعزل “القحطاني” من القيادة الشرعية للجبهة، مع استمراره عضواً في “مجلس شورى الجبهة”، وبقي في موقعه كمستشار شخصي لـ”الجولاني”، وفي عام 2016 أعلنت “جبهة النصرة” فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة” وتشكيل “جبهة فتح الشام” وتحولها إلى الجهاد المحلي، واعتبر “القحطاني” المهندس الرئيس لها.
مطلع عام 2017، أعلنت “جبهة فتح الشام” اندماجها مع 4 فصائل مسلحة في الشمال السوري تحت اسم “هيئة تحرير الشام”، ليصبح “القحطاني” فعلياً الرجل الثاني في “الهيئة” بعد “الجولاني”.