دفعت “هيئة تحرير الشـام”، اليوم الجمعة، بتعزيزات عسكرية كبيرة باتجاه مدينة بنش بريف إدلب الشرقي، لمنع خروج أي تظاهرة شعبية مناهضة لها، في ظل استمرار حملات الاعتقال والملاحقة الأمنية، وقطع الطرقات التي خلقت حالة شلل في عموم المدينة.
وقالت مصادر محلية إن تعزيزات عسكرية كبيرة بأرتال عسكرية وأمنية مدججة دخلت مدينة بنش، وقامت بالتمركز في الأحياء والشوارع الرئيسة وحول المدينة، كما قامت بتطويق المساجد وتقييد حركة المدنيين، لمنع خروج أي تظاهرة مناهضة لها.
وأضافت أن عناصر أمنية مدججة بالأسلحة والعربات المصفحة، تقطع أوصال مدينة بنش لليوم السابع على التوالي، وتقوم بحملات الدهم لمنازل المدنيين في ساعات الفجر دون مراعاة لحرمتها، في ظل تسجيل اعتقال أكثر من 30 شخصاً حتى الآن، وتسجيل عدة تعديات على نساء ومنازل الآمنين في المدينة.
وأكدت المصادر، أن حجة الهيئة في اقتحام المدينة منذ يوم الجمعة، كانت الاعتداء على مخفر الشرطة وحرق آلياته، لكن وفق المصادر فإن الحراك الثوري في المدينة والفعاليات الشعبية المنظمة للاحتجاجات نفت مسؤوليتها عن هذا الاعتداء، وأكدت أن أطراف أخرى هي من نفذت هذا الفعل.
وعقد وجهاء من مختلف الأطياف والعائلات في مدينة بنش، اجتماعاً استثنائياً، صدر عنه بيان يطالب الحراك الشعبي المناهض للهيئة في المدينة، بتشكيل لجنة تفاوض بالسرعة القصوى ويطالب أيضا جهاز الأمن العام بسحب كافة وحداته الأمنية من المدينة.
وينص البيان، أنه بعد تنفيذ البندين الأول والثاني، يتم دعوة ممثلي “الهيئة والحراك” للجلوس على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق بينهم، بالمقابل يقوم الحراك الثوري بتعليق المظاهرات في المدينة طيلة فترة التفاوض، في وقت تقوم الهيئة بالإفراج عن المعتقلين وحل كافة المشاكل العالقة.
ورأى نشطاء، أن هذا البيان كان موضع إجماع لجميع وجهاء المدينة من كافة الأقطاب، وأنه فرصة أخيرة للهيئة لوقف استباحة المدينة، ووقف حملات الاعتقال، والجلوس على طاولة التفاوض والحوار للوصول لحل ينهي الحصار المفروض على المدينة، وإلا فإن عدم استجابتها قد يدفع جيع الأطراف للوقوف في وجه الهيئة.
وكان أصدر نخبة من المثقفين والنشطاء في مدينة بنش، بياناً حول الأوضاع التي تعيشها المدينة، في ظل الاستباحة الأمنية التي تنفذها “هيئة تحرير الشام” منذ ثلاثة أيام، واستمرار حملة الاعتقالات ومداهمة البيوت في ساعات الفجر، علاوة عن صدور بيانات غير متوازنة من الأعيان وعلماء الدين في المدينة تدين طرف دون آخر.
وأدان بيان المثقفين بشدة حادثة إطلاق النار على سيارة مدير المنطقة الوسطى من قبل أحد المتظاهرين ومهما كان دافعه لذلك (فاعتقال رفاقه بعد المظاهرة من قبل الامن العام لا يبرر له استخدام العنف والسلاح)، كنا أدان البيان حادثة الاعتداء على المخفر من قبل طرفٍ مازال مجهولاً وغير معلوم لأهالي المدينة حتى اليوم، وفق البيان.
وطالب البيان، مخفر المدينة وجهاز الأمن العام بنشر الأدلة التي تثبت تورط أبناء المدينة حسب تصريحات مسؤوليه بحادثة الاعتداء على المخفر ومنها تسجيلات كاميرات بناء مخفر المدينة، (كما حال بناء المنطقة الوسطى الذي رأينا تسجيلا من إحدى كاميراته يدعم رواية السلطة) وفق النص.
وطالب البيان بتشكيل لجنة قضائية حيادية تتكون من أشخاص موثوقين و معروفين بالإنصاف والصلاح للتحقيق في حيثيات وتفاصيل الحادثة وجمع الأدلة والشهادات للكشف عن المتورطين في حادثة الاعتداء على المخفر ونشر نتيجة التحقيق مرفقة بالأدلة والشهادات ومحاسبتهم .
وطالب “هيئة تحرير الشام وجهاز الأمن العام” بسحب عناصرهم من المدينة والإفراج عن المتظاهرين السلميين ممن تم اعتقالهم في المدينة بطرق لاإنسانية ولاأخلاقية ولا تمت إلى الدين الحنيف بصله.
وأكد البيان على أحقية الناس بالتظاهر السلمي للتعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم في سبيل الإصلاح الشامل الذي يرقى بالمنطقة، مؤكدين بأن حماية مؤسسات المدينة هي مسؤولية الجميع.
وتحولت مدينة بنش خلال الأشهر الماضية، إلى مصدر قلق كبير لدى قيادة “هيئة تحرير الشام” وذراعها الأمني، لما تميزت فيه احتجاجاتها الشعبية المناهضة للهيئة من تنظيم وقوة في التأثير والشعارات التي رفعتها، فكانت تقويض هذا الحراك على أولويات قيادتها الأمنية، على غرار تقويض الحراك في جسر الشغور ومناطق أخرى، عبر الترهيب والحصار والاعتقال.
وشهدت مدينة بنش منذ يوم الجمعة 5 تموز 2024، وحتى اليوم، حملات دهم واعتقال مستمرة، طالت العديد من الشخصيات الثورية المعروفة بمناهضتها للهيئة، ومشاركتها بشكل فاعل في الاحتجاجات الشعبية المناهضة ضدها، في وقت باتت القوى الأمنية تُقطع أوصال المدينة وتخنقها بالحواجز والدوريات.
واعتقلت عناصر أمنية تابعة للهيئة المنشد “أبو رعد الحمصي” وعدد من منسقي الحراك المناهض لها في المدينة عقب تظاهرة في مدينة بنش، وقامت بصدمهم عبر سيارة أمنية، واعتقال المنشد “أبو رعد” رغم محاولة مدنيين في المكان منعهم.
وعلى إثر اعتقال المنشد “أبو رعد” وهو من منشدي التظاهرات الاحتجاجية ضد الهيئة في المدينة، قام محتجون بالتوجه لمخفر الشرطة وإدارة المنطقة التابعين لحكومة الإنقاذ والهيئة، للمطالبة بإطلاق سراحه، وجرى إطلاق نار متبادل بين عدد من الأشخاص وعناصر الشرطة والقوى الأمنية وفق ما قالت بعض المصادر، دون أن تحدد هوية مطلقي النار، وسط اتهامات للهيئة بافتعال الأمر لتحقيق أجنداتها في المدينة.
وتمارس “هيئة تحرير الشام” ضغوطات كبيرة على الفعاليات الشعبية في المدينة، بسبب التظاهرات المناهضة ضدها والتي باتت مركز ثقل كبير للفعاليات هناك، رغم أن تلك الفعاليات اتخذت قراراً بعدم التوجه لمدينة إدلب في كل جمعة، لمنع الصدام مع القوى الأمنية والعسكرية التي تقطع الطرقات في كل يوم جمعة.
وكان أعلن “محمد عبد الرحمن” وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ (الذراع المدنية والأمنية لهيئة تحرير الشام)، بتوقيف عدد من الشخصيات في ريف إدلب، بتهمة ممارسة “إرهاب فكري على المتظاهرين وتشويه صورة من يسعى للإصلاح”، في سياق حملة اعتقالات طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض لهيئة تحرير الشام.
وقال الوزير في بيان له، إنهم حصلوا على إذن من النائب العام، بتوقيف عدد من الشخصيات، وإحالتهم للقضاء المختص أصولاً، متحدثاً عن رفض هؤلاء للحوار والاستجابة لمبادرات الإصلاح، وأضاف أنهم “مارسوا إرهاباً فكرياً على المتظاهرين المحقين وعملوا على تشويه من يسعى بالإصلاح وجر المحرر إلى المجهول، وشق الصف والعودة إلى الاقتتال الداخلي وتضييع ما بذل من جهد لبناء هذه المؤسسات”.
وجاء تصريح الوزير بعد حملة اعتقالات واسعة شنتها قوى أمنية تابعة لـ “هيئة تحرير الشام” في عدة مدن وبلدات بريف إدلب، طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض للهيئة.
وشكل استخدام القوة العسكرية والأمنية، في يوم الجمعة 17 أيار، واستخدام الرصاص الحي والمدرعات والغازات المسيلة للدموع ضد المحتجين في إدلب، تطور جديد في الحراك الشعبي المناهض للهيئة التي قررت استخدام القوة المفرطة في ضرب المدنيين العزل، مكررة سياسة نظام الأسد في قمع الاحتجاجات، لتكشف هذه الواقعة الوجه الحقيقي لقيادة “هيئة تحرير الشام” التي لم تترك مجالاً لقمع كل حراك ضدها طيلة سنوات مضت.
ويرى مراقبون، أن “الجولاني” يحاول دفع المحتجين لصدام مباشر مع “الجناح العسكري” في الهيئة تحديداً، بعد أن فقد الجناح الأمني ثقته شعبياً على خلفية قضية “العملاء” وتكشف الوجه الحقيقي لممارساته، وبالتالي يُرجح أن يرغب “الجولاني” الأخير باندلاع صدام “مسلح” بين الطرفين، من خلال دفع الحراك للدفاع عن نفسه في منطقة ينتشر فيها.