29.2 C
Damascus
الخميس, سبتمبر 19, 2024

صرخة صامتة تهز العالم: اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري

محمد ضاهر
مستشار قانوني في قسم تمكين المجتمع في المنتدى السوري

شهدت سوريا في عام 2011 تظاهرات شعبية سلمية تطالب بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولاحقاً السياسية. واجه النظام هذه المظاهرات بوحشية مفرطة، مستخدمًا أساليب قمعية شديدة في محاولة لسحق الحراك، شملت القتل المباشر، والاعتقال، والتغييب القسري، وتدمير الممتلكات، إلى جانب انتهاكات أخرى عديدة. من بين هذه الانتهاكات، يُعدّ الاختفاء القسري من أكثرها وحشية؛ إذ يمثل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، حيث يتم احتجاز الأفراد من قبل السلطات أو جماعات مسلحة دون إبلاغ أسرهم أو المجتمع بمكانهم أو مصيرهم. هذا الوضع يسبب معاناة شديدة للعائلات، ويؤدي إلى فقدان الأمل في معرفة مصير أحبائهم.
الاختفاء القسري يُدخل الضحايا وعائلاتهم في دوامة من الشك والخوف. يُحرم الضحايا من أبسط حقوقهم الإنسانية، ويتعرضون للتعذيب والاحتجاز غير الإنساني، بينما تعيش الأسر في حالة من المعاناة المستمرة، تتأرجح بين الأمل في العثور على أحبائهم والخوف من أن يكونوا قد لقوا حتفهم. إنهم يعيشون بين الحياة والموت، في حالة من عدم اليقين واليأس، ويُعتبرون “موتى على قيد الحياة”. هذه الحالة النفسية المعقدة تلقي بظلالها على المجتمع بأسره، حيث تُزرع بذور الخوف وعدم الثقة بين الأفراد وتفكك الروابط الاجتماعية.
وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري في 30 أغسطس 2023، هناك ما لا يقل عن 112,713 شخصاً، بينهم 3,105 أطفال و6,698 سيدة، لا يزالون في عداد المختفين قسرياً في سوريا منذ مارس 2011. وتُظهر هذه الأرقام حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها المجتمع السوري نتيجة هذه الجرائم البشعة. يُشير هذا العدد الكبير من المختفين إلى استخدام النظام السوري لهذه الجريمة كأداة للقمع والسيطرة، حيث يهدف إلى ترويع المواطنين وكسر إرادتهم.
بحسب منظمة العفو الدولية، فإن ضحايا الاختفاء القسري هم أشخاص يتم اختطافهم بعيداً عن أعين أحبائهم ومجتمعهم، وغالباً ما يتم ذلك من قبل مسؤولين حكوميين أو عناصر تعمل بموافقة الدولة. وفي بعض الحالات، يمكن أن تكون عمليات الاختفاء القسري من تنفيذ عناصر مسلحة غير تابعة للدولة. بغض النظر عن الجهة التي ترتكبها، يُعد الاختفاء القسري دائماً جريمة بموجب القانون الدولي. يُجبر الضحايا على العيش في ظروف لا إنسانية، وغالبًا ما يتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي، بينما تُترَك العائلات في حالة من الانتظار المرير، يعيشون في كابوس مستمر لا يعرفون متى ينتهي.

ترى الأمم المتحدة أن الاختفاء القسري لا ينتهك الحقوق المدنية والسياسية للضحايا فقط، بل يتعدى ذلك إلى انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل من الضحايا وأسرهم. فغياب الضحايا يؤثر على حق الأسرة في الحماية والمساعدة، ويُعطل حقوقهم في العيش بمستوى معيشي مناسب، ويؤثر على حقهم في الصحة والتعليم. العائلات التي تفقد معيلها بسبب الاختفاء القسري غالباً ما تواجه صعوبات اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى العبء النفسي والعاطفي، مما يزيد من معاناتها ويؤثر على تماسك المجتمع بشكل عام.
تم تحديد يوم 30 أغسطس كيوم دولي لضحايا الاختفاء القسري، وذلك في محاولة لزيادة الوعي العالمي حول هذه القضية الإنسانية الخطيرة. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم في عام 2010، بهدف تسليط الضوء على معاناة الأفراد المختفين قسرياً وعائلاتهم، وتعزيز الجهود الدولية لمكافحة هذه الجريمة البشعة. يُمثل هذا اليوم فرصة لإعادة التأكيد على الالتزام بحماية حقوق الإنسان والعمل على منع هذه الجرائم مستقبلًا.
الاحتفاء بهذا اليوم يتطلب منا جميعًا تعزيز التضامن مع الضحايا وعائلاتهم، ودعم جهود المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي لمكافحة هذه الجريمة. يجب أن تكون ذكرى الضحايا حافزًا لنا جميعًا للعمل بجدية ضد هذه الانتهاكات والضغط على الأنظمة القمعية للإفراج عن المختفين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
في المنتدى السوري، نؤكد وقوفنا إلى جانب الضحايا وذويهم، ونحث جميع المعنيين على بذل الجهود للإفراج عن المختفين قسرياً والكشف عن مصيرهم، وتقديم الجناة من جميع الأطراف إلى العدالة. نؤمن بضرورة استمرار الضغط والعمل الجاد لتحقيق العدالة والمساءلة، ولضمان عدم نسيان الضحايا ومعاناتهم. ندعو إلى تعاون أوسع بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لضمان أن تُسمع أصوات الضحايا وأن تتم محاسبة المسؤولين.
الاختفاء القسري هو جريمة في الظل، تترك أثراً دائماً على الضحايا وعائلاتهم. إنها صرخة صامتة تهز ضمائرنا، وتدفعنا إلى العمل من أجل تحقيق العدالة والمساءلة. يجب أن نواصل النضال من أجل حقوق الإنسان، وأن نعمل بلا كلل لإعادة الأمل للذين فقدوا أحباءهم في ظلام الاختفاء القسري.
بتكاتفنا وتضامننا، يمكننا أن نجعل من هذا اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري مناسبة لتوحيد جهودنا وتحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، وأن نبني عالماً يكون فيه احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية هو الأساس الذي لا يتزعزع.

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار