29.4 C
Damascus
الخميس, سبتمبر 19, 2024

العلاقة الإيرانية السورية إلى أين؟

الدكتور: عبد الحكيم بشار

نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري

بعد اندلاع الثورة السورية واتّساع رقعتها لتشملَ معظم الأراضي السورية، وظهور فصائل الجيش الحر ضمن صفوف المعارضة وسيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، ومع انتشار وتقدُّم كتائب الجيش الحر شَعَر النظام أن وضعه بات مهدداً، ما استدعى الأمرُ إلى استنجاده عسكرياً بإيران وميليشيات حزب الله وغيرها من المليشيات التي دخلت بطلبٍ مباشر من النظام لصدّ المعارضة السورية، وذلك على مرأى ومسمع العالم الغربي، وكذلك الأمر دخول روسيا إلى الصراع في سوريا عسكرياً في نهاية شهر أيلول عام 2015 بضوءٍ أخضرَ غربي.

 

ما يعزِّز وجهة نظرنا بخصوص وجود ضوء أخضر غربي لدخول روسيا والميليشيات الطائفية إلى سوريا هو القرار الأمريكي الأوروبي بأن الحل في سوريا سياسي، وليس عسكرياً، الأمر الذي يؤكّد رفض العمل العسكري لتغيير السلطة؛ إضافةً إلى ما استشفته شخصياً أثناء مشاركتي ضمن وفد من هيئة التفاوض السورية برئاسة الدكتور رياض حجاب في لقاءٍ مع السيد جون كيري وزير خارجية أمريكا بتاريخ 23-1-2016 فمن خلال الحديث طرح السيِّد كيري السؤال التالي على الدكتور رياض حجاب، قائلاً: ماذا لو استيقظنا غداً، وقد مات بشار الأسد لأيّ سببٍ كان فمن سيكون البديل؟ فكان جواب رياض حجاب: نحن البديل، وحينها أكّد جون كيري أن المعارضة السورية غير جاهزة لذلك، وأن البديل هو إما سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة أو المزيد من الفوضى، وأضاف كيري لذلك سعيُنا سيكون نحو الحل السياسي.

 

حقيقةً، إن هذا الاستعراض جاء للتأكيد على أن الحل العسكري في سوريا مستبعدٌ، وغير ممكن، والآن الواقع السوري يشهد انتهاء الحرب الشاملة، وتم ما يشبه ترسيم الحدود الفاصلة بين مناطق النفوذ، وبالرغم من المناوشات من حين لآخر على الجبهات التي تفصل تلك المناطق إلاَّ أن تلك العمليات العسكرية التي تتم عبر الخطوط المرسومة لا تغيِّر من الوقائع على الأرض.

 

ما يعني أن النظام في دمشق بات مطمئناً، باعتبار أنه لم يعد هناك أيُّ تهديدٍ عسكري فعلي لسلطته، لذلك يُعيد النظام النظر في واقعه وعلاقاته وتبديل أولوياته، فمن جهةٍ بسبب تلاشي فكرة الإطاحة بنظامه وانتفاء شرط التهديد العسكري لسلطته، ومن جهة ثانية انهيار البنية التحتية في مناطق نفوذه وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي لحاضنته إلى درجة غير مسبوقة، وغير محتملة، حيث باتت الأولوية القصوى لدى النظام كامنة في إعادة الإعمار وتحسين الوضع المعيشي لحاضنته من خلال جذب الاستثمارات الخارجية، وفي هذا الإطار فإن أنظار النظام مُتّجهة إلى الدول العربية وخاصةً الخليجية منها.

 

ولكن من أجل جذب الاستثمارات الخليجية فلا بُدَّ من تقليص نفوذ الأطراف الدولية التي تشكِّل تهديداً مباشراً للمشاريع الاقتصادية المحتملة في سوريا، إذ إن دول الخليج لن تستثمرَ أموالَها، ولن تُسهم عملياً في إعادة الإعمار لسوريا إلاَّ إذا تأكدت من تحجيم دور إيران كشرط رئيسي للدخول إلى السوق السورية، الأمر الذي يؤدّي إلى إنعاش النظام السوري من خلال تلك الاستثمارات، وهنا تتوافق مصلحة النظام السوري مع مرامي تلك الدول بما أن النظام السوري لم يعد بحاجة للدور الإيراني بعد انتهاء احتمال التهديد العسكري لسطلته.

 

علاوةً على ذلك فإن النظام يعي تماماً العقلية التوسُّعية لإيران، وهو خير العارفين بمشاريع إيران التي تقوم على إنهاء حالة الدولة عبر أذرعها، ودعم الميليشيات الطائفية على حساب المؤسسات الرسمية للدولة، وتحجيم دور النظام بل، وتقويض نفوذه كما حصل في اليمن ولبنان والعراق إلى حدٍّ كبير، لذلك تتوافق مصلحة النظام السوري حالياً مع الدول العربية والمجتمع الدولي في إطار تحجيم دور إيران في سوريا، ويبدو أنه تم توكيلُ هذه المهمة لإسرائيل من خلال هجماتها المدروسة التي تمثلت باصطياد أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات العاملة بإمرة إيران في سوريا، ولكن التساؤلات المطروحة هي:

هل النظام قادر على تحجيم النفوذ الإيراني؟ وماذا لو توصّلت طهران إلى حقيقة نوايا النظام بهذا الخصوص، وأدركت توجُّهَه عبر أدلّة قوية تؤكد أن النظام السوري يسعى جاهداً لتحجيم دورها؟ فهل وقتها ستنقلب طهران على رأس النظام وحده في دمشق، وليس على النظام بأكمله، وتسعى وقتئذٍ للبحث عن بديلٍ مناسبٍ له؟ أم أن لدى طهران خياراتٍ أخرى قويةً قادرةً من خلالها على إفشال المشاريع الخليجية المحتملة قبل وضع أساساتها على الأرض السورية؟

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار