الدكتور حامد عارف
الباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
تواجه القيادة السورية الجديدة معضلة كبيرة مع استمرار العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك رغم زوال الأسباب التي أدت إلى فرضها. ويرتبط رفعها بسلسلة من المطالب التي تؤثر سلبًا على توازن القوى في البلاد، وتُعزز نفوذ بعض الدول على حساب أخرى.
يعتبر رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أنه من الطبيعي أن تقطع الدول علاقاتها السياسية مع نظام الأسد، وأن تفرض عليه عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية، “لكن مع توقف القصف الكيميائي والتعذيب وتدمير المدن والتشريد القسري، أصبح من الضروري رفع العقوبات”، حسب قوله.
كما يرى عبد الغني أن الغرب يجب أن يتجاوب بشكل أفضل مع مطلب رفع العقوبات، لأنها فُرضت على النظام السوري بسبب الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها في ظل حكم بشار الأسد.
وقد وصف رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان نهج الدول الغربية في مراقبة الوضع السوري، ومدى التزام سوريا بشروط رفع العقوبات، بأنه “وصاية وابتزاز”، موضحًا أن “الأصل أن تُرفع العقوبات لأن الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد توقفت، وفي حال ارتكبت الإدارة السورية الجديدة انتهاكات جسيمة، فيجب حينها التحقق منها واتخاذ الإجراءات المناسبة بناءً على ذلك”.
دفع هذا الوضع بوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية، أسعد حسن الشيباني، إلى القيام بجولة موسعة شملت عدة دول ومؤتمرات، بهدف بحث مسألة رفع العقوبات عن سوريا، والتي تعرقل بشكل كبير عملية إعادة الإعمار، وإنعاش الاقتصاد، وبناء الدولة.
وخلال أحد **أحدث لقاءاته، حاول الوزير تسليط الضوء على مستقبل سوريا، وذلك خلال حديث مثمر جمعه مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير. وأكد خلاله على ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق، معتبرًا إياها “مفتاح الاستقرار” في بلاده التي عانت ويلات الحرب لسنوات طويلة.
من جهتها، تعمل القيادة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، بجهد مستمر على تعزيز الأمن، وحماية البعثات الدبلوماسية والسفارات، واستقبال الوفود العربية والغربية، وإرسال إشارات إيجابية إلى مختلف الدول، في مسعى منها لإظهار انفتاح سوريا على العالم، وتعزيز علاقاتها الخارجية، وتحقيق التعاون الدولي، واكتساب الشرعية.
أما فيما يخص المطالب المرتبطة بمسألة رفع العقوبات، فإن الحديث يدور بشكل أساسي حول المطالب الغربية المتعلقة بإنهاء التواجد الروسي في سوريا، لا سيما موقف الاتحاد الأوروبي، الذي اشترط رفع العقوبات بإزالة القواعد الروسية من الأراضي السورية، رغم تأكيدات القيادة السورية الجديدة التي وصفت علاقاتها مع روسيا بـ”الاستراتيجية” و”القديمة”.
وفي هذا الصدد، أشار الباحث والكاتب بسام السليمان، خلال حديث مع قناة سوريا، إلى أن الإدارة السورية الجديدة قد تصل إلى تفاهمات مع أوروبا، خصوصًا وأنه ليس من مصلحة دمشق الدخول في صدام مع روسيا. وأكد أن الأوروبيين يجب أن يسعوا لحل خلافاتهم مع موسكو بشكل مباشر، بدلًا من محاولة جر الإدارة السورية إلى هذا الصراع.
وأضاف السليمان أن روسيا دولة عظمى، وكما يمكنها المساهمة في إعادة إعمار سوريا وإنعاش اقتصادها، فإنها قادرة أيضًا على عرقلتها. كما أنها تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، مستبعدًا إمكانية خضوع الإدارة السورية الجديدة لما وصفه بـ”الابتزاز” الأوروبي.
من جانبه، أشار الكاتب العراقي مثنى عبد الله، في مقال صحفي، إلى أن روسيا تتبنى ثوابت سياسية كباقي الدول، ومن بينها مبدأ “الديمقراطية السيادية”، الذي ينص على أن الشؤون الداخلية لأي دولة لا تخص الدول الأخرى، ولا تستدعي التدخل طالما لا تشكل تهديدًا لها. وأوضح أن تدخل روسيا في سوريا ودعمها لبشار الأسد جاء بناءً على طلب رسمي من السلطات السابقة، والآن هناك سلطة شرعية جديدة في سوريا، وروسيا تسعى للتعامل معها وفقًا لمصالحها، التي تتقاطع مع مصالح القيادة السورية الجديدة. كما راهن على أن البراغماتية ستسود في العلاقات بين البلدين، نظرًا لأن الذاكرة في السياسة الدولية غالبًا ما تكون قصيرة.
وعلى صعيد آخر، تواصل روسيا إرسال إشارات إيجابية إلى الإدارة السورية الجديدة. وبعد التصريح الأول لرئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، حول العلاقات مع موسكو في 29 ديسمبر الماضي، خلال مقابلة مع قناة “العربية”، والذي أكد فيه أن العلاقات مع روسيا “استراتيجية”، وأن التعاون مع موسكو مهم باعتبارها ثاني أقوى دولة في العالم، جاءت التصريحات الروسية متماشية مع هذا التوجه.
فقد صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ردًا على سؤال حول هذا الموضوع: “تجدر الإشارة إلى أن القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، تحدث مؤخرًا إلى بي بي سي، واصفًا العلاقات السورية-الروسية بأنها قديمة واستراتيجية. ونحن نتفق معه في ذلك، ولدينا الكثير من القواسم المشتركة مع أصدقائنا السوريين”.
إلى جانب ذلك، أكد الكرملين أن الاتصالات مع المسؤولين السوريين الجدد لا تزال مستمرة، وأنه يجري النقاش حول وضع القواعد العسكرية الروسية في سوريا. كما أكدت وزارة الخارجية الروسية أن السفارة الروسية في دمشق تعمل كالمعتاد.
واللافت أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أدلى بدوره بتصريحات إيجابية حول العلاقات مع سوريا، حيث قال: “روسيا تؤكد التزامها بالتسوية الشاملة للوضع في سوريا، وأن السوريين أنفسهم هم من يقررون مستقبل بلادهم”. وأضاف أن “روسيا مستعدة لمواصلة تقديم الدعم للشعب السوري، والمساعدات الإنسانية، حتى استعادة الاستقرار الكامل في البلاد”.