7.4 C
Damascus
السبت, نوفمبر 23, 2024

في مستهل العرض المسرحي.. مقال رأي لرئيس الائتلاف الوطني، نصر الحريري

للمتنبي شعر يقول فيه:
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
وإذا كان هناك من يعتقد بصدق وقناعة أن ما يجريه النظام ورعاته الروس في المناطق التي يسيطرون عليها هو عملية انتخابية، وأنها تأتي في سياق الديمقراطية التي يكذب بخصوصها نظام الأسد منذ عقود؛ فنحن أمام عقل معطل لا يمكن معه الوصول إلى أي نتيجة أو بناء أي حوار.
من المؤسف أن وسائل إعلام عدة، رغم إقرارها بحالة التزوير الشاملة، والانعدام التام لأي شرعية أو مشروعية في هذه العملية، لا تجد إشكالاً في استخدام وصف «انتخابات» عند تناول عملية التزوير والتزييف التي يحضر النظام لارتكابها، وعرضها، وفرضها على ملايين من أبناء الشعب السوري.
عند التعامل مع سجل النظام في هذا الملف، فإنني أعتقد جازماً أن لا مكان لاستخدام أوصاف مثل عملية انتخابية نزيهة وأخرى غير نزيهة، فنحن أمام طقس استبدادي للتغطية على عملية سرقة أو اغتصاب، نحن أمام زيف وتزوير وإساءة وامتهان لواحدة من أهم إنجازات المجتمعات البشرية، المتمثلة في العملية الانتخابية الديمقراطية التي تضع الشعب كمصدر لشرعية السلطة.
لكن النظام وحلفاءه من الأنظمة المارقة ترى في هذه المسرحية فرصة لمتابعة فرض الأمر الواقع الذي تطمح له، وللابتعاد خطوة إضافية عن مسار العملية السياسية، في استراتيجية اعتمدها النظام منذ اليوم الأول للثورة، من خلال إنكار الحقوق والتطلعات والأهداف، وإنكار وجود أي شيء يستحق التعديل أو الإصلاح، وأن كل ما هناك ليس سوى مؤامرة تجب إبادتها.
كل خطوات النظام كانت نحو الوراء، وحتى حضوره للمؤتمرات والمفاوضات كان عبر وفود لا دور لها إلا تسجيل الحضور وهدر الوقت، ودفع أو مساعدة الأطراف الدولية على أداء أدوار كومبارسية، تكتفي خلالها بمراقبة المشهد، وأحياناً التحرك نحو مستوى الاستنكار والإدانة دون أن تتجاوزها، في تمثيلية منفصلة عن الواقع، تجري أحداثها في جنيف ونيويورك، مقابل قيامه هو وحلفاؤه بمهمة قتل السوريين وتهجيرهم وتشريدهم وتعذيبهم واعتقالهم، على الأرض.

عند التعامل مع سجل النظام في هذا الملف، فإنني أعتقد جازماً أن لا مكان لاستخدام أوصاف مثل عملية انتخابية نزيهة وأخرى غير نزيهة، فنحن أمام طقس استبدادي للتغطية على عملية سرقة أو اغتصاب، نحن أمام زيف وتزوير وإساءة وامتهان لواحدة من أهم إنجازات المجتمعات البشرية

خلال السنوات العشر الماضية عاشت سوريا وما تزال كارثة حقيقية، ارتكب النظام خلالها آلاف الجرائم، وتراكمت ضده ملايين الوثائق والشهادات بانتظار تحرك دولي يضمن المحاسبة والعدالة دون أي نتيجة.
لا يفرض بشار الأسد نفسه اليوم على الشعب السوري بقوة أجهزة الاستخبارات، كما فعل هو ووالده طوال خمسين عاماً، فالقرارات اليوم باتت تصدر من عاصمة الاحتلال الروسي، ومن هناك يتم توجيه وفرض هذا المجرم المتربع على سجل من الجرائم والمجازر والغارق في بحر من دماء السوريين.
لقد كشفت هذه السنوات حجم البؤس والفوضى التي نعيشها في عالم يكاد يكون بلا قانون. وها هو الكرملين، بعد تعطيل الآليات الدولية طوال عشر سنوات، يحضر لعملية «التزوير» بهدف عرضها كمسرحية «انتخابية» وكأن العالم ودوله ومنظماته وقراراته مجرد خشب مسندة.
لكن ومن جانب آخر، فإن استمرار تنفيذ هذه العملية التزويرية الزائفة واستكمالها، يكشف عملياً أن الحلف الداعم للنظام والواقف خلفه لا يجد نفسه مضطراً لإجراء أي تعديل في جدول أعماله ومخططاته، وأنه لا يتعرض لأي ضغوط في هذا الشأن، كما يكشف إضافة لكل ذلك أن سياسة النفس الطويل وعض الأصابع والعقوبات المتفرقة لم تؤت أي نتيجة حتى اللحظة.
اليوم ترفض إرادة الشعب السوري الذي تعرض لجرائم النظام المشاركة في هذه المسرحية، وتؤكد أن خيار الانتخابات الوحيد المقبول هو الخيار القائم على عملية انتخابية تتسق بشكل تام مع القرار 2254، ولا مكان فيها لمجرمي الحرب والقتلة وعلى رأسهم بشار الأسد. مثل هذه العملية تتطلب فترة لتمهيد الأجواء المناسبة والآمنة، من خلال إقامة هيئة حكم انتقالي ودستور جديد وتهيئة الظروف القانونية والعملية لإجراء اقتراع تعددي، وضمان نزاهة العملية وشفافيتها تحت إشراف دولي محايد، وبمشاركة جميع السوريين في الخارج والداخل.
ينظر السوريون إلى أي مقاربات إقليمية تمنح أي قيمة لهذه العملية التزويرية باعتبارها جزءاً من مشروع تخريبي يهدف إلى إنقاذ النظام أو تعويمه وتجاوز الحل السياسي والقرارات الدولية. لن تكون مثل هذه الخطوات سوى جريمة جديدة بحق الشعب السوري وإهانة لتضحياته واستهزاء بحقوقه وتطلعاته.
قبل أيام قليلة فقط، تبنت منظمة الأسلحة الكيميائية قراراً بتجريد النظام من الحقوق والامتيازات داخل المنظمة بما فيها حق التصويت والترشح. لجنة التحقيق التابعة للمنظمة أصدرت تقريرين منفصلين، يؤكدان تعمد قوات النظام التي يترأسها بشار وباتت اليوم في قبضة الكرملين، استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
من واجب وسائل الإعلام والنشطاء خلال هذه الفترة العمل على فضح هذه المسرحية وكشف كل عمليات الضغط والتزوير المرافقة لها، وتحويل هذه الحملة إلى لعنة على النظام وأجهزته الاستخباراتية، بالتزامن مع تسليط الضوء وإعادة عرض جرائم النظام في سياقات متنوعة تذكر العالم بها وتحول دون تركها في الأدراج، بما يضمن تحويل ملف جرائم الحرب في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

رئيس الإئتلاف الوطني السوري

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار