“قطع الطرقات، إغلاق الدوائر الحكومية والمحال الجاري، إضراب عام، مظاهرات، وقفات احتجاجية”، هكذا بدا المشهد في مدينة السويداء جنوبي سورية، في تصعيد ملحوظ من قبل سكان المنطقة، تنديداً بسياسة رفع الأسعار من قبل حكومة النظام وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
وبحسب شبكة السويداء 24 فإن الإضراب العام دخل يومه الثاني في محافظة السويداء، وأُغلقت معظم الدوائر الحكومية والمحال التجارية في المحافظة أبوابها أمس، بعد دعوات لإضراب عام، احتجاجًا على قرارات حكومة النظام حول رفع الأسعار وانتهاج سياسة التجويع.
وأحصت الشبكة أكثر من 40 نقطة احتجاج في محافظة السويداء أمس الأحد، تجاوبًا مع دعوات الإضراب العام، التي تفاعل معها أهالي المحافظة، مشيرة إلى أن هذه المشاركة لافتة وغير مسبوقة منذ عام 2011.
وقالت الشبكة إن العدد مرشح للزيادة، فقد تنوعت مظاهر الاحتجاج ونسب المشاركة، فالمحتجون في القرى أغلقوا المؤسسات الحكومية، وقطعوا الطرقات، وسط هتافات تطالب برحيل الأسد، وتطبيق القرارات الدولية، وتؤكد أن سورية للشعب وليست لآل الأسد.
كما احتشد مئات المحتجين في ساحة السير/الكرامة وسط مدينة السويداء، ورفعوا شعارات تطالب بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وهتفوا للحرية، وطالبوا بإسقاط نظام الأسد، كحل وحيد يُخرج البلد من دوامة الانحدار.
وتوزعت نقاط التظاهر والاحتجاج في قرى وبلدات محافظة السويداء:
دينة السويداء، ذيبين، سالة، بوسان، الثعلة، بكا، سهوة الخضر، مياماس، شقا، عرمان، خلخلة، الصورة الصغيرة، مجادل، المجدل، العانات، شهبا، نمرة شهبا، الكفر، القريا، المشنف، مفعلة، قنوات، الشبكي، الحريسة، سميع، المزرعة، ولغا، أم الزيتون، عريقة، الرحا، أم الرمان، سهوة البلاطة، نجران، سليم، عتيل، كفر اللحف، المنيذرة، ريمة حازم، المجيمر، عرى، حران، الغارية.
ورغم أن السويداء تشهد احتجاجات في شعبية منذ سنوات للمطالبة بالتغيير، فإن وقعها هذه المرة كان غير مسبوق، فالمحافظة شهدت حالة إضراب عام، وعصيان مدني، والغضب بدا واضحًا في هتافات المحتجين، الذين أكدوا في رسالتهم، أن الصبر قد نفد، ولم يبق خيار إلا في التمرد على الظلم والطغيان، وفق شعار رفعه أحد المحتجين.
احتجاجات نوعية
قال الناشط مروان حمزة وهو أحد منسقي المظاهرات في السويداء في تصريح خاص لوكالة سنا، إن المظاهرات التي تشهدها مدينة السويداء “نوعية”، من حيث العدد والمشاركة والشعارات المطروحة، فلم تكن سابقًا بهذا الزخم، وهناك مشاركة كبيرة من كافة فئات الشعب، وخصوصًا الشباب.
وأضاف حمزة أن الشباب في السويداء باتوا يعانون من الخدمة الإلزامية في جيش النظام، وعدم القدرة على الذهاب للجامعات بسبب غلاء المحروقات، فمشوار واحد إلى دمشق يكلف 15 ألف ليرة سورية، مشيرًا إلى أن الوضع في سورية بات غير طبيعي، ولا يمكن إيجاد حل إلا بتراجع النظام وحكومته عن القرارات الأخيرة.
ونبه حمزة إلى أن الزيادة الأخيرة التي أصدرتها حكومة النظام بمقدار 100 %، لم تنفع بشيء، فبعدها فورًا ارتفعت أسعار المحروقات 100 %، فالمواطن أصبح في معادلة مستحيلة الحل، وعاجزاً عن تلبية متطلبات الحياة.
وقال الناشط المدني إن الواقع سيكون أفضل، فالمشاركة كبيرة على مستوى محافظة السويداء، متمنيًا مشاركة الجميع في الإضراب وخصوصًا التجار.
وِأشار إلى أن نسبة كبيرة من أهالي السويداء خرجوا في المظاهرات، فقد سجل أمس خروج 40 نقطة تظاهر واحتجاج في المنطقة، وكل منطقة عبرت عن احتجاجها بطريقتها، سواء بقطع الطرقات، أو اعتصام أمام بلدية أو مقر حكومي أو سياسي، أو مظاهرة، ورغم انقطاع المواصلات بسبب إضراب السائقين، فإن المشاركة كانت واسعة وفق ما قال.
قيادات السويداء تتفاعل مع الاحتجاجات
بحسب إفادة المكتب الإعلامي لحركة رجال الكرامة لوكالة سنا، فإن عناصر وقيادات حركة رجال الكرامة، كانوا موجودين مع الأهالي في الاحتجاجات، فهم جزء من هذا المجتمع ومن أبناء السويداء، كما أن حركة رجال الكرامة كفصيل مسلح سوف يصدر بيانًا رسميًا في القريب العاجل، بالتنسيق الرسمي مع الرئاسة الروحية المتمثلة بسماحة الشيخ حكمت الهجري.
كما أصدر شيخ طائفة الموحدين في السويداء، الشيخ ” حكمت الهجري” أمس الأحد بيانًا يقف فيه إلى جانب المحتجين، مؤكدًا فيه أنه من حق الشعب أن يطالب بالعيش الكريم، وحان الوقت لقمع مسببي المحن التي طالت لقمة عيش السوريين.
وخاطب الهجري المحتجين في كافة أنحاء سورية قائلاً إن الشعب السوري يمر بمحنة تلو الأخرى، إلا أن “الصمت لا يعني الرضا، فقد طالت التصرفات والإجراءات لقمة العيش، فآن الأوان لقمع مسببي هذه الفتن والمحن ومصدّري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة، ونقتلع من أرضنا كل غريب وكل مسيء، وكل حارق مارق قبل أن يسرق أموالنا من موقعه”، في إشارة إلى النظام وحلفائه.
دواعش الداخل
وذكر الهجري في البيان أن أبناء الشعب الصامد أصبحوا يواجهون دواعش الداخل بدلاً من تكريمهم، وباتوا أمام غرباء استباحوا مقدرات وخيرات البلاد، كما وصل بهم الحرمان إلى لقمة الخبز ومن قطرات من الماء والمحروقات باختلاق أزمات، وسارت الخطط بمواجهة الشعب لا في مصلحته، مما زاد من معاناته وأوجاعه.
وقال الهجري: “ما هكذا يعامل شعب من قبل حكومته، ولا هكذا تكون القرارات ولا التصرفات، والحجة حرب كونية، وأي حرب كونية وأنتم تدمّرون شعبكم وتحبسون مقدراته عنه، وتسقطون اقتصاده الوطني إلى الحضيض بقرارات بخسة، وتعاملات لا تهمها سوى الجباية القسرية وتدمير البنى التحتية، مما تسبب بهروب جماعي من كل المواطنين دون تمييز إلى الخارج، وتدمير للعلم وتخوين للشرفاء”.
وأكد رئيس طائفة الموحدين الدروز أنه “لن يذلنا أحد ما حيينا، فالأصول راسخة متينة، والكرامة تغلب على الجوع، كنا ولا زلنا من موقع وطني مجيد ننصر الحق، لا ليستغله بعض ضعاف النفوس وينافقوا علينا، فما لنا على وطننا من فضل، ولكن لنا فيه حق، ولا نقبل أن يحرمنا منه أحد مهما كان موقعه”.
وخاطب الهجري نظام أسد وحكومته قائلاً: “قلنا ونعيد للمسؤولين والممثلين والجهات المعنية: إن من كان عاجزًا عن القيام بواجبه تجاه أهله ووطنه واقتصاده، فليترك المكان، ولا يتخبط ولا يخرب الموقع الذي يحتله”.
وطالب الهجري حكومة أسد بعدم قمع الاحتجاجات وحرف توجهاتها، محذراً من تكرار المسرحيات السابقة عندما حاول بعض المفسدين تبرئة أنفسهم وطمس الأدلة على فسادهم بتخوين المتظاهرين الشرفاء واتهامهم بحرق مبنى محافظة السويداء.
وختم الهجري بيانه متسائلاً: “أين هي الدول الصديقة، أين هي الدول الضامنة؟”، مطالباً “بمحاسبة كل من حرم الشعب حقوقه، وكل من يدمّر بنيان مجتمعنا واقتصادنا ونهب ثرواتنا”.
تداعيات الاحتجاجات
توقفت الحركة التجارية في أغلب مناطق المحافظة، فقد أغلق المحتجون كافة الطرق الرئيسية المؤدية اليها، كما تم منع رئيس فرع حزب البعث في السويداء من دخول المدينة، وطرد رئيس بلدية الكفر جنوب السويداء من مبنى البلدية، وقام المحتجون بعدها بإغلاق المبنى.
كما تم تأجيل كافة الامتحانات في فرع جامعة دمشق بالمحافظة (كليات الآداب والعلوم الإنسانية الثانية والزراعة الثانية والعلوم الرابعة) إلى موعد يتم الإعلان عنه لاحقًا، فقد جاء التأجيل بسبب عدم تمكن بعض الطلاب من الوصول إلى جامعاتهم بسبب قطع عدد من طرق المحافظة.
وقال المحلل السياسي زكريا ملاحفجي في حديثه لقناة الحوار، إن الاحتجاجات الأخيرة في الجنوب السوري، تدل على أن نظام الأسد في آخر أيامه، فالشعب السوري قرر عدم العودة إلى ما قبل 2011، فالاحتجاجات تتصاعد رغم القبضة الأمنية للنظام وميليشياته، وهذا يشير إلى أنه لا يوجد مؤيدين لبشار الأسد، وهو الذي أوصل البلاد إلى ماهي فيه.
وأضاف ملاحفجي، أن هناك رفضاً سورياً مطلقاً لأي استمرار لبشار الأسد، ولا يستبعد استخدام النظام القمع والقصف لإسكات الأصوات المعارضة، لكن اليوم الوضع الاقتصادي السيئ، سيلعب دوراً بعدم استجابة المؤسسات لسياسة بشار الأسد، فنائب رئيس الجمهورية لم يتعد راتبه 100 دولار أمريكي.
وأشار إلى أن هذا التدهور الاقتصادي والمجاعة في مناطق سيطرة الأسد، خيَما على كافة القاطنين في مناطقه، حتى موظفي المؤسسات المدنية والعسكرية، فالمعاناة كبيرة، والإيرانيون والروس اليوم بظرف مختلف، سواء في أوكرانيا أو في شرق سورية، فالتهديدات تحيط بهم أيضًا.
ويعول ملاحفجي على هذه الاحتجاجات في التغيير، وقال إنه على السوريين أن يقفوا بجميع طوائفهم، وأن يؤكدوا على رحيل رأس نظام الأسد، الذي سبب البلاء لكل السوريين، وعلى المؤسسات السياسية المعارضة أن تستفيد من هذا الحراك، وتتحرك حركة سياسية دولية، والتأكيد على الشعب السوري واحد.
هذا وأكَد الائتلاف الوطني السوري دعمه الكامل للانتفاضة الشعبية في السويداء، ودعا في بيان له أمس الأحد وسائل الإعلام العربية والعالمية، إلى التركيز على الانتفاضة الشعبية في السويداء، والتركيز على الأحداث فيها بشكل دقيق.
وشدد على ضرورة وقوف المناطق المحررة إلى جانب الأهالي في مناطق سيطرة نظام الأسد، من خلال الخروج في مظاهرات حاشدة للتأكيد على الهدف المشترك في إسقاط النظام.