خاص – أيمن حاج أسد
تتواصل الاحتجاجات والمظاهرات في السويداء للأسبوع الخامس على التوالي، رافعين لافتات تطالب رأس النظام بشار الأسد بالرحيل وترك السلطة، وإطلاق سراح المعتقلين، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، مرددين شعارات ضد إيران، حليف الأسد الرئيسي.
وأغلق المحتجون مكاتب حزب البعث وعمدوا إلى نزع صور للرئيس السابق حافظ الأسد، خلال الحراك السلمي الذي انطلق منتصف أغسطس/آب الماضي.
وبدأت المظاهرات في السويداء بعد قرار حكومة النظام رفع الدعم عن الوقود، وتطورت من احتجاج على تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى المطالبة بـإسقاط النظام.
ولم تكن تلك الاحتجاجات هي الأولى في محافظة السويداء، ففي الأيام الأولى للثورة شهدت مدن عدة تظاهرات ضد النظام، وأصدرت نقابة المحامين في المحافظة حينها بياناً طالبت فيه بالتغيير بالبلاد، ولكن النظام كان يبتكر طرقاً ووسائل لوأد المحاولات في مهدها، مستخدماً القمع والإرهاب وتشديد القبضة الأمنية والتي حالت دون اتساع الحراك الثوري في السنوات الأولى من الثورة.
وعمل النظام على تشكيل ميليشيات محلية تابعة لأجهزته الأمنية بشكل مباشر، أبرزها مليشيا “قوات الفجر” التي كانت مهامها محاصرة أي حركة احتجاج في السويداء، وحسب -مصادر محلية- مارست هذه المليشيات تجاوزات وعمليات خطف بحق سكان المحافظة، ما دفع مجموعات محلية فيما بعد للقضاء عليها بالقوة في منتصف العام الفائت، وعلى رأسهم فصيل “قوات شيخ الكرامة” والذي أسسه نجل الشيخ وحيد بلعوس بعد اغتيال والده من قبل النظام في عام 2015.
وروج إعلام النظام نفسه حامياً للأقليات في وجه التطرف والإرهاب، وهذا ما وضحه الكاتب والسياسي السوري ابن السويداء “حافظ قرقوط” بتصريح خاص للوكالة “أن النظام عمل على بث الشائعات وتخويف الأقليات من الأكثرية السنية والتي أشاع أزلامه أنها متطرفة، مستفيداً من وجود هفوات وبعض الممارسات التي قام بها قلة من الثوار، والتي عمل على تضخيمها لزعزعة الثقة بالثورة وأهدافها”.
وأضاف: ” اكتسب الحراك الشعبي الحالي زخماً ودفعاً كبيرين بعد مباركة أهم رجال الدين في المحافظة له، وأبرزهم الشيخ “حكمت الهجري” و”حمّود الحناوي”، على خلاف الاحتجاجات السابقة والتي اصطف معظم رجال الدين آنذاك فيها مع النظام”.
وجاءت المظاهرات –حسب قرقوط- “لتعري الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين سيما بعد تسويقهم في الإعلام عن انتصاره وخروجه من الأزمة”.
وعن خيارات الأسد استبعد “قرقوط” الحل العسكري مشيراً إلى وجود ما أسماها “تغطية سياسية دولية” للحراك، وتحذيرات وصلت لنظام الأسد من استخدام البطش والقوة في إخضاع أبناء السويداء.
ولم يرجح أيضاً الكاتب “حسام جزماتي” في تصريح خاص للوكالة لجوء الأسد للخيار العسكري في مواجهة احتجاجات السويداء، كما فعل في مناطق أخرى، معللاً ذلك “بعدم قدرة قوات الأسد المنهكة أن تفتح جبهة جديدة وتخوض معركة والتي ستكون شرسة ضد الفصائل المحلية هناك، ولا يبدو أن حلفاء الأسد روسيا وإيران، مستعدان للتورط في حرب كهذه، ولا يوجد مبرر مزعوم لها بوجود إرهابيين إسلاميين مسلحين، وستترك نتائج طائفية مديدة خاصة وأنها مرشحة لتحظى بتعاطف إقليمي من دروز لبنان و”إسرائيل” ودعم سياسي دولي”.
وبرأي الكاتب “جزماتي” فإنّ الأسد “سيلجأ إلى إستراتيجية شق الصف الداخلي بسياسة “شارع ضد شارع”، وبدا ذلك جلياً بضبط واستقطاب دروز ريف دمشق (جرمانا وصحنايا) وجبل الشيخ، والدفع بقيادات روحية إلى الواجهة لتشاغب على المرجعية المتصاعدة لشيخ العقل حكمت الهجري”.
ووضح أنّ الأمر لن يقتصر على تلك المناطق بل سيعمل على حشد مواليه في محافظة السويداء، وله هناك – كما في كل مكان- أعداد من الضباط السابقين والبعثيين والنقابيين والمخبرين والمؤمنين بحتمية وجوده واستمراريته –حسب جزماتي-، هؤلاء الآن مرتبكون أمام الزخم الأهلي ومن المستبعد أن يبقوا ساكنين، خاصة وأن انتفاضة السويداء تعلن الديمقراطية مما سيهدد نفوذهم واستئثارهم بالسلطة، وسيكون مدخلاً لهم للكلام وطلب المحاصصة في إدارة المحافظة بما أنهم من أبنائها، مشيراً إلى أنّ “مشهد المحتجين في ساحة الكرامة، والحشود التي تتجمع فيها، يجب ألا تدفعنا للاعتقاد بأنّ هناك إجماعاً كلياً على الانتفاضة”.
مضيفاً “أنه لا يجب أن يغيب عن بالنا احتمال بروز خلاف في الخيارات السياسية والمحلية بين المحتجين أنفسهم، سواء بإذكاء من أذرع النظام في المحافظة وخارجها أو للأسباب البشرية المعتادة، مما قد يؤدي إلى تراجع زخم الحراك وصورته الزاهية الحالية لصالح الإحباط من عدم تحقيق أي نتائج”.
وفي هذا السياق تناقل الاعلام تكهنات عن نية الأسد بالدفع باتجاه “إدارة ذاتية” للسويداء، كورقة أخيرة في حال لم يستطع إخماد الاحتجاجات، وهذا ما رجحه السياسي “قرقوط” معتبراً أنّ الأسد بذلك “يكسب” ويحافظ على كرسيه بأقل الخسائر، ويضمن توقف تمدد الاحتجاجات لباقي المحافظات من خلال عزل السويداء عن محيطها، ويعتقد أنّ هذا المخطط سيفشله ثوار السويداء الذين رفضوا التقسيم ونادوا بمطالب السوريين جميعاً، داعين لتنفيذ القرارات الدولية، ولإخراج جميع المعتقلين، وإسقاط النظام، مترفعين عن المطالب المناطقية والخاصة.
واستبعد الكاتب “حسام جزماتي” أن يكون التقسيم جزءاً من مخطط الأسد، وأنه لن يقدم أي تنازلات من نوع القبول بحكم ذاتي في السويداء، أو في الجنوب، للبقاء في الحكم، وما سيفعله هو تركها كجيب خارج عن السيطرة تقريباً، مع بقاء أجهزة “الدولة” ومؤسساتها والطريق مفتوحاً إلى دمشق، بانتظار أن تتغير المعادلة باتجاه وطريقة يجهلهما الجميع، موضحاً أنّ نظام الأسد اعتاد على التعايش مع أوضاع طارئة هنا وهناك خلال سنوات الثورة الطويلة.
وتقع محافظة السويداء في جنوب سورية، وتحدها غرباً محافظة درعا، وشرقا البادية السورية، وجنوباً الأردن، وشمالاً ريف دمشق، وتعد المحافظة من المحافظات السورية ذات الجغرافيا الإدارية الصغيرة، حيث تبلغ نحو 6500 كيلومتر مربع.
وتحظى السويداء بخصوصية، كونها تضم العدد الأكبر من الدروز السوريين،
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عدد الدروز السوريين بلغ نحو 800 ألف شخص، جلهم في السويداء، فيما هاجر عدد كبير منهم خلال سنوات الثورة إلى دول الجوار أو دول أوروبية، مثلهم مثل باقي مكونات الشعب السوري.