وكالة سنا – خاص
يترقب قاطنو منطقة شمال غربي سورية -وبشكل خاص سكان المخيمات- بقلق أخبار السلة الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة عبر برنامج الأغذية العالمي، وذلك بعد الأنباء التي تحدثت عن وجود نية لتخفيض جديد في حجمها قد يصل إلى النصف وربما أكثر.
حيث نشر فريق “منسقو استجابة سوريا” في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي تقريراً حذر فيه من عمليات التخفيض المستمرة للمساعدات المقدمة إلى المنطقة، مؤكداً بدء الوكالة الدولية بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي بعمليات تخفيض جديدة ستصل إلى أكثر من النصف.
تلك الأنباء نزلت كالصاعقة على سكان المنطقة، خاصة أنها جاءت بعد شهر حافل بالغارات الجوية والصواريخ والقذائف الحارقة والعنقودية التي أمطرت بها قوات النظام وروسيا مدن وبلدات إدلب وحلب، وأدت إلى مقتل نحو 70 مدنياً، ونزوح أكثر من مئة ألف آخرين.
وما يثير الشكوك والمخاوف أكثر، تراجع أعداد الشاحنات الأممية الواصلة إلى المنطقة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث دخلت خلال الفترة الممتدة بين 19 أيلول/ سبتمبر و10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضيين 109 شاحنات فقط، في حين دخلت 840 شاحنة خلال الفترة ذاتها من عام 2022.
كما أنه خلال الفترة الممتدة بين 13 آب/ أغسطس و13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 دخلت 93 شاحنة فقط من معبر باب السلامة شمال حلب، في حين لم تدخل أي شاحنة من معبر الراعي، علماً أن الأمم المتحدة أعلنت مؤخراً تمديد إدخال المساعدات عبر المعبرين بعد حصولها على “موافقة” النظام.
الأزمة الإنسانية شمال سورية في أرقام
لا يكاد يخلو حديث أي مسؤول في الأمم المتحدة فيما يخص الشأن السوري، عن الأزمة الإنسانية التي تشهدها منطقة الشمال الغربي، والتي يقطنها أكثر من 6 ملايين نسمة، نصفهم من النازحين والمهجرين من باقي المحافظات السورية، وثلثهم يقطن المخيمات.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود 1873 مخيماً ومركز إيواء في المنطقة، يقطنها أكثر من مليوني نسمة، منهم نحو 888 ألف طفل، و605 آلاف سيدة، وحوالي 84 ألفاً من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبحسب ما أكد عاملون إنسانيون في المنطقة لوكالة “سنا” فإن أكثر من 90% من العائلات تقع تحت خطر الفقر (يُقدَّر بنحو 6500 ليرة تركية)، كما أن حوالي 41% من عائلات الشمال السوري تقع تحت حد الجوع.
وأما بالنسبة لمؤشر البطالة، فإن آخر الإحصائيات تشير إلى أن النسبة وصلت إلى 88.65% بشكل وسطي، وسط ارتفاعٍ في نسبة التضخم وعجزٍ في القدرة الشرائية، وارتفاعٍ غير مسبوق في أسعار السلع الرئيسية والتي تتأثر بشكل مباشر بسعر صرف الدولار.
أزمة السلة.. كابوس يُؤرِّق سكان الخيام
ضاعفت أنباء التخفيض الجديد لحجم المساعدات الأممية من هموم ومخاوف سكان المخيمات، خاصة أنها جاءت مع فصل الشتاء، والذي تزداد فيه المعاناة وتتكرر به الكارثة التي تتسبب بها العوامل الجوية.
يقول مدير مخيم “القرية الطينية” في ريف إدلب الشمالي فادي العبد الله إن أخبار السلة باتت حديث الشارع اليوم، باعتبارها الهاجس الأكبر للأهالي حالياً.
ويوضح العبد الله في حديث لوكالة “سنا” أن الأمم المتحدة خفضت قبل أشهر حجم السلة وقللت كمية محتوياتها وبشكل خاص الزيت والأرز.
وأشار إلى أن السلة قبل التخفيض كانت تكفي الأسرة المتوسطة حوالي 10 إلى 15 يوماً، أما اليوم فلا تكاد تكفي أسبوعاً واحداً وبعض المواد تنفد قبل ذلك، مضيفاً أنه في حال حدوث تخفيض جديد فإنها لن تكفي لأيام.
ولفت محدثنا إلى أن تخفيض حجم السلة أثّر بشكل كبير على السكان وانعكس سلباً على حياتهم، حيث باتت العائلة تجد نفسها مجبرة على تقنين الاستهلاك وتقليص عدد الوجبات اليومية بغض النظر عن حجم حاجتها.
كما أن ذلك أجبر العديد من أرباب الأسر على دفع أبنائهم على ترك المدارس وإرسالهم إلى سوق العمل للمساعدة في تأمين مصاريف المنزل، فضلاً عن اضطرار النساء إلى العمل بأجور قليلة بهدف المساعدة في إعالة أسرهن.
ولم يقتصر التخفيض على محتويات السلة الغذائية، وإنما تجاوز ذلك إلى شطب عائلات من لوائح المستفيدين دون سابق إنذار، وهو ما تسبب بإشكاليات داخل المخيمات نفسها.
من جانبه، أشار محمد الخطيب وهو نازح في مخيم قريب من مدينة الدانا شمال إدلب إلى أنه أحصى منذ أن بدأ بالحصول على المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة مطلع عام 2020 ستة تخفيضات لحجم السلة.
كذلك نبه الخطيب في حديثه لوكالة “سنا” إلى أن التخفيض طال أيضاً القسيمة الشرائية التي لجأت إليها بعض المنظمات كبديل عن السلة بعد إغلاق معبر باب الهوى بسبب “الفيتو” الروسي.
وأوضح أن القسيمة بدأت بقيمة 60 دولاراً، ومن ثم تم تخفيضها إلى 40 دولاراً، مؤكداً أن التلاعب بالأسعار من قبل بعض مراكز صرف القسائم يُفقد القسيمة 5 أو 10 دولارات من قيمتها.
نقص تمويل أم ضغط لغايات سياسية؟
خلال الأشهر القليلة الماضية أعلنت الأمم المتحدة عدة مرات تخفيض المساعدات المقدمة للسوريين في بلادهم وفي لبنان والأردن، وفي كل مرة كانت تبرر قرارها بنقص التمويل وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفي حزيران/ يونيو الماضي أعلن برنامج الأغذية العالمي إيقاف المساعدات الإنسانية عن 2.5 مليون شخص في سورية بعد أن كان يقدمها لحوالي 5.5 مليون شخص، مبرراً ذلك بـ”أزمة التمويل غير المسبوقة”.
وحينها، صرح ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في سورية كين كروسلي أن البرنامج يواجه تحدياً “يتمثل بالاحتياجات المتزايدة بوتيرة لم يستطع التمويل مواكبتها، في وقت ارتفعت به تكلفة إيصال الدعم الغذائي إلى مستوى غير مسبوق بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود”.
وتعليقاً على التبريرات التي تقدمها الأمم المتحدة، اعتبر نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري عبد المجيد بركات، أنه مهما كانت أسباب تخفيض المساعدات الأممية، فهي غير منطقية وغير مبررة وغير مفهومة خاصة مع بداية فصل الشتاء حيث تزداد الاحتجاجات الإنسانية.
وقال بركات في تصريح خاص لوكالة “سنا”: “لا يمكن قراءة هذا القرار إلا ضمن سياق دولي للضغط على اللاجئين والنازحين، وهذا الإجراء هدفه سياسي حيث حاول النظام السوري سابقاً بالضغط على عدد من الدول التي تستضيف اللاجئين من أجل إجبارهم على العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها، إلا أن تلك الضغوطات فشلت”.
ويعتقد محدثنا أن تخفيض المساعدات من قبل الأمم المتحدة يأتي ضمن ذلك السياق، مستدركاً بالقول: “ورغم الإدراك بوجود ملفات إنسانية إقليمية ربما شكلت عاملاً من عوامل تخفيض المساعدات على السوريين كالحرب في أوكرانيا وغزة، ولكن بالمجمل فإن الملف الإنساني السوري يُسيَّس من قبل الدول وأيضاً من قبل الأمم المتحدة”.
كما أكد بركات على أن الائتلاف الوطني السوري سيقوم بدوره من خلال التواصل مع الجهات الدولية والأممية لفهم أسباب هذا التخفيض، كما سيطلب من الأمم المتحدة مراجعة هذا القرار خاصة مع قدوم فصل الشتاء.
وبخصوص طلب الأمم المتحدة موافقة نظام الأسد على دخول المساعدات من معبرَيْ الراعي وباب السلامة رغم أن المنطقة لا تقع تحت سيطرته، قال بركات: “إن موقف الائتلاف بهذا الخصوص كان واضحاً منذ البداية حيث عَبَّرَ عن رفضه للإصرار غير المفهوم من قبل الأمم المتحدة على هذه الخطوة، كما أن ذلك لا يمكن فهمه إلا ضمن سياق سياسي وإعطاء النظام فرصة من أجل تعويم نفسه والبحث عن شرعيته المفقودة”.
وحذر الائتلاف الأمم المتحدة وكل الدول والأطراف الفاعلة بهذا الملف بأن يبقى ملف المساعدات مُحيَّد عن الصراعات السياسية ومن استغلال النظام لهذا الموضوع، وبحسب بركات فإن الائتلاف ما زال يعمل بهذا الأمر مع الأمم المتحدة لأن النظام يستغله لتحقيق غايات سياسية ويحاول من خلاله إعادة تموضع نفسه على المستوى الدولي.
وخلاصة القول إن الأمم المتحدة تمارس -بقصد أو دون قصد- ضغوطات على السوريين الذين قصفهم النظام وهجرهم من منازلهم وفضّلوا العيش في الخيام على البقاء تحت حكم الأسد، لإجبارهم على العودة إلى مناطق سيطرة الأخير، رغم المبالغ الكبيرة التي يتم جمعها في مؤتمرات المانحين، إلا أن ذلك قد ينعكس سلباً على المنظمة الدولية والمنطقة ولا سيما وأن قسماً لا بأس به من الأشخاص الذين ضاقت بهم السُبُل في الشمال السوري يفكرون بطرق أبواب تركيا وأوروبا بحثاً عن حياة أفضل.