خاص – وكالة سنا
تتربع محافظة إدلب على إرث تاريخي كبير، حيث تحتضن أكثر من 1000 موقع أثري، وتعد من أقدم البقع الجغرافية المأهولة، ومن أغنى المحافظات السورية بالآثار المتصفة بالقدم، وتمتلك ثلث آثار سورية.
وكانت المنطقة حافلة بأحداث تاريخية تعود إلى حقب مختلفة وحضارات عاشت فيها منذ آلاف السنين، في تل عين الكرخ مروراً بمملكة إيبلا والحقب الحثية – آرامية – آشورية – يونانية – رومانية – بيزنطية – حتى العصور الإسلامية المختلفة، ويتجلّى ذلك في أوابدها التاريخية المهمة المنتشرة في المحافظة، وبعضها مدرج على لائحة التراث العالمي.
أبرز المواقع الأثرية
يوجد في محافظة إدلب ما يزيد عن ألف موقع أثري، منها 760 موقعاً أثرياً مسجلاً بقرارات وزارية سابقة، كما تضم 40 قرية أثرية تشكل خمس “باركات” مسجلة على لائحة التراث العالمي، وتعود هذه المواقع الأثرية إلى حقب زمنية مختلفة من عصور ما قبل التاريخ مروراً بفترة الشرق القديم والفترة الكلاسيكية وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة.
إضافة إلى عدد من الشقف والقلاع، التي هي رمز النضال ضد الغزاة، كما يوجد فيها متحفان، أحدهما في مدينة إدلب، والثاني في مدينة معرة النعمان المختص بالفسيفساء التي تقع حالياً تحت سيطرة قوات الأسد بعد أن سيطر على المدينة في أواخر 2019، وفق معلومات صادرة عن مركز آثار إدلب وزُودت بها وكالة سنا.
وشهدت إدلب قيام حضارات ترقى إلى الألف الثالث قبل الميلاد، أعظمها مملكة إيبلا التي اُكتشف فيها الأرشيف الملكي الذي أرّخ تاريخ المنطقة لأكثر من 5 آلاف سنة، وتم اكتشافه من قبل بعثة إيطالية، وقبلها دلائل لعصور ما قبل التاريخ في تل دينيت وتل الكرخ، وتم اكتشافه من قبل البعثات اليابانية، تلتها حضارات يونانية ورومانية وبيزنطية وإسلامية تعاقبت على المنطقة، ولا تزال المباني الأثرية شاهدة على الحضارات التي مرت على هذه الأرض، وفق ما قال مدير متحف إدلب أيمن نابو لوكالة سنا.
من جهته، قال عدي الشعار وهو خريج كلية الآثار ومهتم بتاريخ محافظة إدلب وآثارها، إن نتائج المسوح الأثرية في أغلب التلال والمواقع السورية شكلت سلسلة متماسكة ومترابطة تدل على الاستقرار للإنسان الأول في هذه المنطقة، منذ فترة مليون عام خلت وحتى الفترة العربية الإسلامية، وإذا أخذنا إدلب نموذجاً في مجال التنقيب والعمل الأثري لأنها تضم ثلث آثار سورية، ما لفت أنظار علماء الآثار والباحثين في مجال البحث والتحري عن تلك الحضارات، والتي تمكنت من إعطاء تسلسل زمني لهذه الحضارات من 8000 سنة قبل الميلاد إلى القرن الثاني والثالث عشر ميلادي.
وأحصت وكالة سنا أبرز المواقع الأثرية في محافظة إدلب التي شكلت إرثاً تاريخياً للمنطقة وهي: “باقرحا، جرادة، بابسقا، تل آرجي، الكفير، تل معرة حرمة، تل آفس الأثري، قلعة حارم، الرويحة، الديرونية، كنيسة قلب لوزة، قلعة سمعان، قصر البنات، ديرسيتا، البارة سرجبلا، بنقفور، باب الهوى، شنشراح، ربيعة، بعودا، فركيا، مغارة، دير سنبل، دللوزة، وادي معرتحوان، مجليا، بترسا، بشيلا، كفرلوسين، دير القديس دانيال، صرفود، باقرحا، كنيسة ديروني، دير قيتا، باريشا، باشكوح، قورقانيا، باموقا، كفرعروق، برج عيزارارا، قرقبيزة، بشندلايا، بحيو، بيتر، بنابل، كفردريان، خربة البويضي، إيبلا، قلعة الشغور، خربة اشروق، معرة النعمان، بنقوسا، دير ترمانين، كفرحوار، كنيسة القديس كبر يانوس، الدير الشرقي”، والعديد من المواقع الأثرية.
البارة مجمع أثري
كما تبرز أهمية منطقة البارة في جبل الزاوية التي تعد مجمعاً أثرياً بامتياز، فبحسب ما قال محمد الطوبان أحد سكان مدينة البارة والمهتمين بتاريخها الأثري، فإن منطقة البارة والعديد من القرى في جبل الزاوية زارتها على مدار عشرات السنين بعثة فرنسية آخرها برئاسة الدكتور جورج تات، حيث تم الكشف عن أكبر مجموعة خرائب أثرية رومانية بيزنطية تعود للقرون الوسطى وزمن تأسيسها لا يزال مجهولاً، وقد تكون موغلة في القدم، كانت تحت إشراف مكتب اليونسكو التابع للأمم المتحدة الخاص بدراسات التراث الحضاري والتاريخي بالشرق الأوسط كسورية والأردن وفلسطين.
وأضاف في حديثه لوكالة سنا، أن عمل البعثة الفرنسية بإشراف الدكتور جورج تات مدير المكتب برفقة رئيس البعثة الميداني الدكتور جيرار شاربتيه كانت فترة العمل تتراوح بين الشهر والثلاثة أشهر في السنة، حيث تتم عملية التنقيب والبحث عن التاريخ والحضارات للبلدان التي أطلق عليها سابقاً القرى المنسية، ومن خلال تلك العملية يعثر العاملون والمراقبون على بعض القطع النقدية والأشكال الحجرية والفخارية التي تنتمي إلى العهد الروماني والبيزنطي ومنها للعهد الإسلامي، وكذلك لوائح الفسيفساء والموزيك والتماثيل الحجرية، وكانت تصور وترقم وتسلم إلى متحف مدينة إدلب في ذلك الوقت.
وفق الطوبان، تشكل البارة جزءاً من قائمة مواقع اليونيسكو للتراث العالمي “القرى القديمة في شمال سورية” منذ عام 2011، وقد أُدرجت على “قائمة التراث العالمي المعرض للخطر” في عام 2013، من بين 36 موقعاً للتراث العالمي في ثمان متنزهات أثرية، يوجد عشرة مواقع في منطقة البارة (البارة، بترسا، باعودا، بشيلا، دللوزة، مجليا، ربيعة، سرجيلا، شنشراح، وادي مرتحون) .
تضررت الآثار في منطقة إدلب بفعل الزلزال الأخير الذي ضرب المنطقة، حيث تعرضت بعض المواقع لانهدامات وتصدعات، إضافة للأضرار الناتجة عن القصف من قبل قوات الأسد وروسيا وإيران التي طالت المتاحف والمواقع الأثرية، وإضافة لأضرار ناجمة عن انتشار عمليات التنقيب العشوائي والسري من قبل لصوص الآثار والباحثين عن الكنوز، كما تم استخدام بعض المواقع الأثرية كأماكن سكن من قبل النازحين.