في خطوة استباقية أعلنت الإدارة الذاتية التابعة لميليشيا “قسد” عن عقد اجتماعي “دستور جديد” في 12 كانون الأول الحالي في مناطق سيطرتها في شمال شرقي سورية، والذي تضمن العديد من المبادئ الخلافية، أبرزها إطلاق اسم “جمهورية سورية الديمقراطية” على الدولة السورية، في اعتماد شكل الحكم في الدولة السورية المستقبلية.
تأتي هذه الخطوة الشبيهة للصيغة المعتمدة بتوصيف “إقليم كردستان” في العراق، واحتوى العقد الجديد المعدل على أربعة أبواب بـ 134 مادة، الباب الأولى يتحدث عن المبادئ الأساسية بـ 36 مادة، والباب الثاني من العقد يتحدث عن الحقوق والحريات الأساسية، والباب الثالث عن النظام المجتمعي، أما الباب الرابع فاحتوى أحكاماً عامة.
ويعرف العقد الاجتماعي بأنه “مجموعة الأسس النظرية والعملية والقوانين والقواعد التنظيمية التي توضع لتحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتبين حقوق وواجبات الأفراد والمسؤولين داخل المجتمع”.
العقد الاجتماعي تسلُّط على إرادة السوريين
تعليقاً على العقد الاجتماعي الذي أعلنت عنه ميليشيا قسد، أعرب المجلس الإسلامي السوري عن رفضه “العقد الاجتماعي”، مشيراً إلى أنه لا يمكن لها أن تكون وصية على خيارات السوريين.
ويؤكد المجلس ما جاء في وثائقه السابقة المتعلقة بالهوية السورية ومبادئ الثورة السورية، التي رأى الموقعون عليها أن التمسك بها والوقوف عندها، مستند مهم لتحقيق أهداف الثورة وانتصارها، وفق ما جاء في البيان.
وأضاف، “يؤكد المجلس أن لسورية كلها مستقبلاً مشتركاً يحدده شعبها كله بعد نيل حريته وتخلصه من نظام الاستبداد والقمع والاحتلالات التي أتى بها النظام، ولا يمكن لإدارة ذاتية متسلطة أن تكون وصية على خيارات السوريين فتحرف بغير مشورة منهم اسم الجمهورية العربية السورية زوراً إلى جمهورية سورية الديمقراطية”.
وقال المجلس: “إن سلب إرادة شعبنا انتقاص من مكانته وازدراء له، سواء قامت به العصابة الحاكمة بطرق غير شرعية كتزوير الدساتير، أو فرضته مليشيات انفصالية ليس لها شرعية في مناطق تحكمها، ولذلك فإن المجلس يرفض أي خطوة يمكن أن تؤدي إلى تمزيق سورية بناء على نزعات عرقية أو دينية أو قومية، ويرى أن ذلك يهدد وجود جميع هذه المكونات”.
السوريون قادرون على تشكيل دولتهم
في حديث خاص مع المتحدث الرسمي باسم المجلس الاسلامي السوري مطيع البطين قال لوكالة سنا “إن تسمية اسم الدولة بجمهورية سورية الديمقراطية، هي تسمية مصادرة لرأي الشعب السوري، واستباق لمرحلة لم تأتِ بعد، ولهذا فإن التفرد باختيار اسم الدولة السورية، هو نوع اعتبار الشعب السوري غير قادر على الاتفاق على التسمية فيما بينه.
وأضاف البطين أن استخدام كلمة الإدارة الذاتية هي كلمة مطاطة، فإلى أي حد ستذهب هذه الإدارة، وهل تريد الكونفدرالية الديمقراطية التي ترجع فلسفتها إلى أوجلان ؟
وأشار إلى أن هذا الأمر يعتبر شبه دولة، وهو بالتأكيد أمر يرفضه الشعب السوري، حتى في الذهاب لإقليم في شمال شرق سورية مشابه لإقليم كردستان في العراق، الذي يعتبر تمهيداً للتقسيم، وبالتالي ستأتي خطوات أخرى ستبني على هذا المثال الذي يمزق سورية.
ويرى البطين أن الإدارة تكون شرعية عندما تنطلق من إرادة الشعب وليس بالاستقواء بالأجنبي وبالتالي غير شرعية، مشيراً إلى أن ما سمي بالعقد الاجتماعي يُبعِد عن جوهر الصراع في سورية، فما يجري فيها هو ثورة لأجل نيل الحرية، وبعد ذلك يقرر الشعب السوري مصيره.
وقال إن ما تقوم به الإدارة الذاتية هو استباق للأحداث قبل تبلور الحل في سورية، وتخصيص منطقة في سورية، وتسمية أهلها بشعوب المنطقة، هذا بعيد عن جميع إرادات السوريين على اختلاف الأعراق والإثنيات، فسكان هذه المناطق من عرب وكرد وتركمان، مرتبطون بكل السوريين على امتداد المساحة السورية، وهو ليس فقط لا يحقق تطلعات السوريين هناك، بل يعتبر ضدها.
الشراكة الوطنية
فيما يخص شكل الحكم الأنسب للدولة السورية والذي يحقق تطلعات الشعب السوري، يعتقد البطين أن ذلك يتم من خلال “الشراكة الوطنية”، ويتم بعد مؤتمر وطني يفرز نخبة وطنية تقود البلد وتؤسس دستور لشكل حكم صحيح، حيث تتوافق فيما بينهم وتأخذ بالاعتبار كل الأمور الأساسية بالنسبة للسوريين وتحقق تطلعاتهم، وهو ما تريده الغالبية من السوريين، ولا نريد أن نستبق الأمور حتى لا تكون هناك مصادرة لآراء السوريين.
وقال إنه من الممكن أن يكون الأنسب في مثل هذه الأوقات استخدام مصطلح “الدولة المدنية” التي تحترم ثقافة وتاريخ وانتماء السوريين، بعيداً عن المصطلحات التي قد تزعج أو تثير الخلاف بين السوريين.
ضرب السلم الأهلي
من جهتها أعلنت “حركة التحرير والبناء” التابعة للجيش الوطني السوري، عن رفضها لـ”العقد الاجتماعي” الذي أصدرته الإدارة الذاتية التابعة لـ “قسد”، لكونه “يؤسس لإشكاليات كبيرة”.
وذكرت الحركة في بيان نشرته أن مواد وثيقة “العقد الاجتماعي” تنص على “تقسيمات إدارية غير معترف أو معمول بها، ولا تناسب مطلقاً وضع المنطقة، وتؤسس لإشكاليات كبيرة تمنع الاستقرار في المنطقة وتهدم الروابط المجتمعية التي كانت الحصن المنيع ضد ممارسات الاستبداد من النظام المجرم، ووريثه حزب الاتحاد الديمقراطي الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي”، بحسب البيان.
وأضافت أن “هذه الوثيقة تعد تزويراً واضحاً لتطلعات شعبنا، وتحرّف أهدافه الوطنية والثورية، وتضرب السلم الأهلي، وهي محاولة مبطنة لتقسيم سورية، فلا يمكن القبول بأي طروحات للواقع الاجتماعي والإداري والدستوري إلا بعد إسقاط النظام المجرم، وعودة الشرعية لشعبنا لاختياراته”.
وختم البيان “إننا في حركة التحرير والبناء نرفض هذه الوثيقة غير الشرعية والتي صدرت من جهة غير شرعية، ونهيب بأهلنا التمسك بأصالة انتمائهم والحفاظ على الموروث الوطني الذي جمع أهلنا في الجزيرة السورية، والتي ستبقى نموذجاً مشرفاً لثورة الكرامة والحرية”.
يشار إلى أن “الإدارة الذاتية” تتبع وترتبط بمليشيات “قوات سورية الديمقراطية” التي تقودها “وحدات حماية الشعب” الكردية، ودائماً ما تلمح عبر تصريحات قياداتها لتشكيل إقليم كردي في شمال شرقي سورية، في محاولة الانفصال عن الدولة السورية.