توفي أمس الاثنين (15 كانون الثاني) 3 أشقاء (طفلان وشاب)، اختناقاً بانبعاثات مدفأة الفحم، داخل خيمتهم في مخيم “مطوع 1” ضمن مخيمات أطمة شمالي إدلب، وسط ظروف إنسانية صعبة يعيشها قاطنو المخيم.
حالة الاختناق ليست الأولى، فقد أصيب رجل وزوجته بحالة اختناق إثر حريق اندلع بسبب المدفأة في خيمة بمخيم بسقلا للمهجرين في بلدة بابسقا شمالي إدلب، مساء أول أمس الأحد (14 كانون الثاني)، كما أصيبت طفلة 13 عاماً بحالة اختناق حاد بسبب تسرب للغاز المنزلي في منزلها بقرية بليون جنوبي إدلب في ذات اليوم.
وأصيب رجل وطفليه بحروق، وأحد الأطفال إصابته خطرة، جراء حريق اندلع في منزل يسكنونه في قرية كفرجنة بريف عفرين شمالي حلب، أول أمس الأحد (14 كانون الثاني)، واحترقت خيمة في مخيم طريق يازيباغ في ريف مدينة أعزاز شمالي حلب، أثناء إشعال المدفأة، وأصيب مدنيان اثنان بحروق جراء حريق اندلع داخل منزل سكني على طريق نده – أعزاز شمالي حلب، بعد منتصف ليلة يوم الأربعاء (10 كانون الثاني).
وشهدت مناطق شمال غربي سورية عدة حالات مشابهة بالإصابة بحالات الاختناق جراء انبعاثات أدخنة المدافئ أو تسرب الغاز المستخدم داخل الحمامات، وفي بعض الأحيان تشغيل الدراجات النارية داخل الخيام لاستخدام بطارية الدراجة للإنارة.
مخاطر كبيرة تواجه المدنيين في فصل الشتاء، مع الواقع الصعب الذي تعيشه مناطق شمال غربي سورية، من خطر المدافئ مع استخدام وسائل تدفئة غير صحية وآمنة بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وخطر البرد والسيول والعواصف وانتشار الأمراض والكوليرا، واستمرار حرب نظام الأسد وروسيا لـ 13 عاماً من القصف والتهجير.
وسائل غير صحية للدفئة
نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وانقطاع المساعدات الإنسانية، ارتفعت أسعار مواد التدفئة لهذا العام، وبحسب عدد من مدراء المخيمات في منطقة إدلب، فقد لجأت كثير من العوائل وبسبب عجزها عن تأمين مود التدفئة، إلى وسائل غير صحية للتدفئة كالألبسة المستعملة وإطارات السيارات والمواد البلاستيكية المضرة بالصحة.
وقال مدير مخيم”مخيم الفقراء إلى الله” في منطقة حربنوش بريف إدلب الشمالي حسين الحسين لوكالة سنا، إن نحو 40 % من أطفال المخيم البالغ عدده (315) عائلة، تعاني من أمراض تنفسية حادة وخاصة ذات الرئة، بسبب استخدام وسائل تدفئة غير صحية، فأغلب سكان المخيم يستخدمون المواد البلاستيكية وإطارات السيارات من أجل التدفئة، ما يجعل سماء المخيم تصبح سوداء.
وأضاف الحسين، أن أغلب سكان المخيم في زيارات دائمة للمشافي والمراكز الصحية المنتشرة في المنطقة، بسبب ازدياد نسبة الأطفال المصابين بأمراض التنفس الحادة، في ظل الوضع الإنساني السيئ الذي يعيشه قاطنو المخيم والمخيمات المجاورة.
أسباب الاختناق
وفق تقرير أعده الدفاع المدني السوري، فإنه تعود أسباب زيادة حالات الاختناق بانبعاثات الأدخنة الضارة، لضعف الأحوال المعيشية والنقص الكبير في مقومات الحياة في شمال غربي سورية، التي فرضتها حالة استمرار حرب قوات الأسد وروسيا على المدنيين ومصادر رزقهم وصعوبة العيش في مخيمات التهجير، حيث تضطر مئات آلاف العائلات لاستخدام مواد غير آمنة وغير صحية لتوفير الدفء لأطفالهم بسبب ضعف الأحوال المعيشية للكثير منهم.
كما يضطر الأهالي لاستخدام قطع البلاستيك المكسر والأحذية المستعملة في التدفئة رغم خطورة انبعاثاته، وأيضاً مواد الفحم الحجري الذي يعد من أخطر أنواع مواد التدفئة بسبب انبعاثاته الغازية الخارشة للجهاز التنفسي، ويتم استخدامه أيضاً بسبب انخفاض سعره مقابل مواد التدفئة الأخرى.
وذكر التقرير أن غاز أول أوكسيد الكربون “CO” يعد أخطر أنواع الانبعاثات لكونه غاز عديم اللون والرائحة يصعب التحقق من وجوده ويؤدي استنشاقه إلى التسمم وقد يصل للموت، ويطلق عليه اصطلاح القاتل الخفي لعدم قدرة تمييزه بسهولة، ومن الأسباب التي تؤدي لانطلاقه إشعال المدافئ أو أي نار أو مصدر حراري بأماكن محكمة الأغلاق أو مغلقة بشكل يصعب دخول الهواء والأوكسجين منه.
الأعراض والوقاية
ومن أبرز الأعراض التي تظهر على المصاب بحالة اختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون “CO” وفق الدفاع المدني، الصداع والدوار وضيق التنفس وضعف وتشويش ذهني وخلل في وظائف الجهاز العصبي والإغماء، وخلل في القلب ثم الوفاة التي قد تحدث للنائم قبل ظهور الأعراض المذكورة عليه.
ويمكن تدارك خطورة انتشار الغاز بإجراءات فورية وسريعة عند ملاحظة انتشاره ومنها تهوية المكان فوراً إطفاء المصدر الحراري المسبب وأية مصادر أخرى قد يتفاعل معها الغاز (أحادي أكسيد الكربون)، إخراج جميع من في المكان وخاصةً الأطفال ومرضى الجهاز التنفسي وكبار السن والنساء الحوامل وذوي الاحتياجات الخاصة، والاتصال بالإسعاف فوراً.
كما يمكن الوقاية من خطر انطلاق الغاز بإجراءات احترازية تتمثل في التأكد من التصريف الجيد لنواتج الاحتراق وجود فتحة تهوية مناسبة والتأكد من صلاحيتها للتصريف، عدم ترك المدافئ (غاز، فحم، كهرباء، حطب، محروقات..إلخ) مشتعلة أثناء النوم والتأكد من عدم ارتجاع النار إلى صندوق المدفئة المملوء بالمواد المستخدمة للتدفئة (الدلو المملوء بقشور التدفئة، خزان مدفئة المازوت المعروف بـ الدابو)، عدم إدخال المجامر لداخل الخيام أو الغرف، صيانة المداخن وتنظيفها وعدم تركيب أغلاق لها، والفحص الدوري للأدوات التي تعمل بالغاز.
50 حريقاً في 15 يوماً
واستجابت فرق الدفاع المدني منذ بداية العام الحالي 2024 لأكثر من 50 حريقاً في مناطق شمال غربي سورية، وأغلب هذه الحرائق بسبب المدافئ، وتسببت هذه الحرائق بإصابة 7 مدنيين بحروق وحالات اختناق بينهم طفلان وامرأة.
وقال فريق “منسقو استجابة سوريا”، إن انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير واعتماد النازحين على وسائل التدفئة البدائية غير الصالحة للاستخدام داخل المخيمات والاعتماد على مواقد الطهي داخل الخيم يزيد من خطورة اشتعال الخيام بشكل أكبر، وخاصةً أن 90% من العائلات النازحة تعتمد على مواد تدفئة غير صالحة (مواد بلاستيكية ، نفايات..) داخل الخيم، وسط انعدام وجود أماكن آمنة نسبياً للحد من الحرائق، مع توقع بزيادة وتيرة الحرائق ضمن المخيمات خلال الفترة القادمة نتيجة انخفاض درجات الحرارة بشكل مستمر.
وأشار الفريق الإنساني إلى أن استخدام الخيم القماشية يعتبر أحد أبرز أسباب انتشار الحرائق داخل الخيم، وعدم توفر العوازل، حيث يبلغ عدد المخيمات التي تغيب عنها العوازل اللازمة لمنع الحرارة أو الحرائق أكثر من 98 % من المخيمات.
مناشدة إنسانية
وناشد الفريق بدوره المناشدة للمنظمات الإنسانية العاملة في محافظة إدلب وريفها، العمل على تحسين الوضع الإنساني للمدنيين في المنطقة والنازحين في المخيمات، وتأمين المستلزمات الضرورية لمنع تكرار تلك الحرائق أو انتشارها.
كما طالب بإنشاء نقاط إطفاء ضمن التجمعات الأساسية والكبرى في المخيمات، تضم عناصر متدربين على التعامل مع الحرائق لتلافي وقوع ضحايا.
وشدّد على ضرورة إيجاد أماكن سكن مناسبة للنازحين تستطيع مقاومة الظروف المختلفة وذلك بالقرب من مراكز المدن والتجمعات السكنية، ريثما تتهيأ الظروف الملائمة لعودة النازحين إلى مدنهم وقراهم والتي تعتبر الحل الكامل لقضية المخيمات في شمال غرب سورية.
ويسكن في مناطق شمال غربي سورية 4.5 مليون شخص، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخلياً، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.