أظهرت نتائج اختبارات شبكة الإنذار المبكر، ارتفاعاً حاداً في أعداد حالات مرض “إنفلونزا A” “المرض التنفسي الحاد الشديد”، في مناطق شمال غربي سورية.
وأشارت البيانات إلى أن عدد الحالات أصبح أعلى من المعدل السنوي، مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، وتظهر نتائج تحليل الـ”بي سي آر” (PCR) تزايداً في عدد النتائج الإيجابية للفيروس “A”، والفيروس التنفسي المخلوي، “آر إس في” (RSV) .
وفي الأسابيع القليلة الماضية، سجلت إصابات بمرض “فيروس المخلوي التنفسي”، والذي يسبب التهاب القصيبات الشعرية خاصة عند الأطفال.
وتكثر هذه الإصابات نتيجة موسم البرد في فصل الشتاء ومواد التدفئة السيئة المستخدمة مثل الفحم والحطب والنايلون، كما أن ضعف المناعة وسوء التغذية لهما دور كبير في تفاقم الأعراض وامتداد فترة الإصابة.
ويؤكد الأطباء وجود ارتفاع واضح بالأمراض التنفسية في شمال غربي سورية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إذ سجلت رقماً قياسياً مقارنة بالسنوات الخمسة الماضية.
وأظهرت النتائج المخبرية أن أكثر من 70% من الحالات هي بسبب الفيروس المخلوي، و85% من الحالات المقبولة في الشمال السوري، بسبب الأمراض التنفسية الحادة هي لأطفال تحت عمر 5 سنوات.
وسائل الدفئة غير الصحية
يكاد لا يتوقف أهالي “مخيم الفقراء إلى الله” في منطقة حربنوش عن زيارة المشافي والمراكز الصحية المنتشرة في المنطقة، بسبب ازدياد نسبة الأطفال المصابين بأمراض التنفس الحادة، في ظل الوضع الإنساني السيئ الذي يعيشه قاطنو المخيم والمخيمات المجاورة.
وقال مدير المخيم حسين حسين لوكالة سنا، إن نحو 40 % من أطفال المخيم البالغ عدده(315) عائلة، تعاني من أمراض تنفسية حادة، وخاصة ذات الرئة، بسبب استخدام وسائل تدفئة غير صحية، فأغلب سكان المخيم يستخدمون المواد البلاستيكية وإطارات السيارات من أجل التدفئة، ما يجعل سماء المخيم تصبح سوداء.
وبحسب تقرير أعده فريق “منسقو استجابة سوريا”، ذكر أن أكثر من 94 % من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة للشتاء القادم، وأن الحاجة ملحة لتنفيذ مشاريع خاصة لتقديم مواد التدفئة للنازحين القاطنين في المخيمات.
وأفاد أن 79 % من النازحين لم تحصل على إمدادات التدفئة، وتحديداً ضمن المخيمات، وأن أسعار مواد التدفئة قد ارتفعت بنسبة 120 % مقارنة بالعام الماضي، علماً بأن 83 % من العائلات لا يتجاوز مصدر الدخل لديها 50 دولاراً أمريكياً شهرياً، وبالتالي فإن الحصول على مواد التدفئة أمراً صعب المنال.
موجة حادة
وبحسب مدير شبكة الإنذار المبكر في وحدة تنسيق الدعم الدكتور ياسر الفروح، فإن القطاع الصحي يواجه حالياً التعامل مع “موجة حادة” من الأمراض التنفسية في فصل الشتاء، وهو المعدل الأعلى منذ خمس سنوات وفق فروح، مشيراً إلى أن تتحدث الأرقام عن حالات الأمراض التنفسية المقبولة في المشافي عند الأطفال، بأنها أعلى من نسبة الأمراض التي أصابت الأطفال في جائحة كورونا.
إن الجوائح الوبائية الناجمة عن وجود فيروسات تنفسية لم تكن جائحة كورونا أولها ولن تكون نهايتها، وفق ما قال الفروح لوكالة سنا، مضيفاً أنه على مر التاريخ، ومع تطور العلم الطبي كانت هناك جوائح مميتة أكثر من الكورونا، وهذا الأمر لن يتوقف، بسبب طبيعة الفيروسات التنفسية، فلديها القابلية على التغير والتكيف والتهرب من الجهاز المناعي وتحدث مرض.
وأشار الفروح إلى أن سيناريو كورونا من الممكن أن يتكرر، مؤكداً أن هناك دروساً مستفادة من جائحة كورونا، وأهمها كيفية التعامل مع الجوائح التنفسية في منطقة شمال غربي سورية، إضافة للخبرات التي اكتسبتها الكوادر الطبية من أطباء وممرضين، مثل كيفية العناية المشددة، وتدبير الأمراض التنفسية الحادة في الأجنحة.
وفق إحصائيات تابعة لشبكة الانذار المبكر في وحدة تنسيق الدعم، فإن المنطقة قد سجلت رقماً قياسياً في انتشار أمراض تنفسية حادة منذ خمس سنوات، وهي الأمراض الشبيهة بالأنفلونزا أو الكريب العادي والحالات التي تستدعي الدخول للمشفى مثل أمراض ذات الرئة، فشبكة الإنذار المبكر تراقب هذه الأمراض وتجري التحاليل لعينات معينة لمعرفة السبب الممرض.
وتضاعفت الحالات عن المعدل السنوي، وهذا يشير إلى وجود مشكلة فيما يخص الفيروسات التي تجول في المنطقة، والذي تبيّن من خلال نتائج تحليل الـ”بي سي آر (PCR)” أنه فيروس تنفسي مخلوي”آر إس في” (RSV) ، الذي يسبب أمراضاً ووفيات بنسب عالية عند الأطفال الصغار الأقل من 5 سنوات، والأقل من سنتين على وجه الخصوص، ومن الملاحظ وجود إصابات لدى باقي الفئات العمرية أيضاً، وفي الغالب أن الانسان أصيب به مرة أو مرتين في حياته، وفق الشبكة.
وأوضح الدكتور ياسر الفروح أن تأثير الفيروسات شديد على الأطفال خاصة بعمر ما دون 12 شهراً، إضافة لكبار السنة ما فوق الـ 65 سنة، مشيراً إلى أن إجراءات الحماية العالمية مثل ارتداء الكمامة وتحديدات السفر، ساهمت بالحد من انتشار الأمراض التنفسية الحادة، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد أي إجراءات متبعة أو قيود سفر، فالجميع توقع أن تكون هناك موجة أمراض تنفسية حادة تؤدي إلى حصول وفيات بنسب عالية.
ويسكن في مناطق شمال غربي سورية 4.5 مليون شخص، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعد، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخلياً، 2 مليون يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.