سحبت “هيئة تحرير الشام” صباح اليوم السبت حواجزها الأمنية التي نشرتها مؤخراً على مداخل المدن والبلدات في أرياف محافظة إدلب شمال غربي سورية التي شهدت تصعيداً شعبياً واحتجاجات ضدها.
وترافق معها منع المدنيين من خارج المدن الدخول إليها، وأزالت تحديداً الحواجز المكثفة عند مداخل مدينة بنش وبلدة الفوعة شمال شرقي مدينة إدلب، وذلك بعد اجتماع مع قادة فصيل “تجمع دمشق” المتمركز في المنطقتين.
وأفاد بيان مشترك “لتحرير الشام” و”تجمع دمشق”، أن “الاجتماع الذي جرى بين الطرفين خلص بأن تجمع دمشق يعتبر جهة عسكرية لا ارتباط له في الحراك الحالي في الساحة، ويلتزم كل من له صفة عسكرية أو تنظيمية فيه بعدم الانخراط بالمظاهرات”.
وأضاف أن “هيئة تحرير الشام تلتزم بسحب المظاهر العسكرية من الأماكن المحيطة بالتجمع”.
وأُصيب عدد من المتظاهرين في مناطق متفرقة من محافظة إدلب، أمس الجمعة، إثر قمع عناصر إدارة الأمن العام تظاهرات، بعد صلاة الجمعة، ترافق معها اعتقال نشطاء إعلاميين ومدنيين.
وكان الحراك الشعبي ضد “هيئة تحرير الشام” قد بدأ في شباط الماضي، على خلفية اعتقالات واسعة قام بها “الجهاز الأمني” في الهيئة، وتعرض المعتقلون لتعذيب أفضى إلى موت بعضهم، وسرعان ما تحول الحراك إلى تظاهرات حاشدة طالبت بإسقاط زعيم “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، الذي سارع إلى عقد اجتماعات مع الفعاليات المدنية والشعبية لمحاصرة الحراك وامتصاص النقمة عليه وعلى هيئته.
وبحسب مصادر مطلعة أن من بين البنود التي اتفق عليها الطرفان، “تسليم بعض المطلوبين للهيئة ممن شاركوا في الحراك يوم أمس الجمعة، بحجة أنهم اعتدوا على عناصر “هيئة تحرير الشام” بالحجارة وسببوا إصابات ضمن عناصر الأمن المحسوبين عليها.
وأشارت المصادر إلى أن هناك اجتماعاً مماثلاً سيجري اليوم مع قيادة “فصيل جيش الأحرار”، وذلك بهدف سحب عناصر الفصيل المشاركين في التظاهرات وعدم تدخلهم في الحراك الشعبي.
ولفتت المصادر إلى أن الأمر الذي دفع قيادة “هيئة تحرير الشام” إلى التفاوض مع “تجمع دمشق” هو الخلاف الداخلي في الجناح العسكري لـ”تحرير الشام”، وتهديد بعض القادة بتعليق عملهم داخله، ولا سيما بعد قمع المتظاهرين يوم أمس الجمعة.
ما هو “تجمع دمشق”؟
ويقطن مقاتلو الفصيل مع عائلاتهم في بلدة الفوعة التي أخليت من سكانها في عام 2018 بموجب اتفاق عُرف في حينه باسم “صفقة المدن الأربع”، الذي تضمّن خروج سكان كفريا والفوعة، والبالغ عددهم في حينه نحو 7 آلاف، إلى مناطق سيطرة قوات الأسد، مقابل خروج مقاتلي المعارضة مع عائلاتهم من مدينتي الزبداني وبلودان شمال غربي دمشق، كما تضمن الاتفاق، الذي تم برعاية إقليمية، إطلاق سراح معتقلين من قبل نظام الأسد مقابل إطلاق “هيئة تحرير الشام” معتقلين لديها من عناصر قوات الأسد.
وبحسب مصادر محلية، فإن “مقاتلي تجمع دمشق لا يتعدى الـ800 عنصر”، معظمهم من منطقة الزبداني، ويتزعم التجمع أبو عدنان الزبداني وهو مناهض “لهيئة تحرير الشام”، وانضم مؤخراً إلى الفرقة 77 التابعة للجبهة الوطنية للتحرير، أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية.
ويدعم الزبداني الحراك الشعبي المشتعل منذ أشهر في محافظة إدلب ضد “هيئة تحرير الشام” وتجاوزات جناحها الأمني ضد سكان الشمال الغربي من مدنيين وعسكريين.
وانتقد الزبداني، في تسجيل مصور، “هيئة تحرير الشام”، معتبراً أنها “تستجلب أدوات المرحلة السابقة للثورة من ظلم وقهر لتطبقها على الشعب الحر”.
كما انتقد سكون الجبهات مع قوات الأسد “رغم توفر الإمكانيات والطاقات”، مشيراً إلى أن سياسة فرض الضرائب والاحتكار التي تطبقها “هيئة تحرير الشام”، “ولّدت طبقتين، طبقة في القصور وأخرى على حافة القبور، وهو ما أفضى إلى نقمة عامة” في شمال غربي سورية.
وطالب الزبداني “أبو محمد الجولاني” بالتنازل عن السلطة لـ”رجل يحكم مرحلة انتقالية لإرساء أطر العمل الجماعي لنضمن عدم العودة إلى الفردية والتفرد”، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية “لا تُقاس على غيرها من الأزمات”.
وكان “الجولاني” لوّح باستخدام القوة ضد الجهات والفصائل التي تحرّض أو تدعم التظاهرات التي تخرج في مدن وبلدات في محافظة إدلب ضد سياسات “هيئة تحرير الشام”، والتي تدعو إلى رحيله عن السلطة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتوتر فيها العلاقة بين “تحرير الشام” و”تجمع دمشق”، إذ سبق للهيئة أن وجهت إنذاراً للفصيل في عام 2021، وطالبته بإخلاء مواقعه من بلدة الفوعة شمال شرقي إدلب، والتوجه إلى مناطق سيطرة “الجيش الوطني” في منطقة عفرين شمال غربي حلب.