سوسن شهاب
قسم تمكين المجتمع في المنتدى السوري
في قلب كل حرب، تُسمع أصوات المعاناة، ويُرى الحزن في أعين الأمهات اللاتي ينتظرن بفارغ الصبر عودة أبنائهن المفقودين. في سورية، بلد مزقته الصراعات، أصبحت هذه المشاهد جزءًا مؤلمًا من الحياة اليومية. في 30 أغسطس من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، وهو يوم يعيد للأذهان المعاناة اللامتناهية لعشرات الآلاف من العائلات السورية التي لا تعرف مصير أحبائها.
هؤلاء الأفراد ليسوا مجرد أرقام في إحصائيات، بل هم آباء وأمهات، وإخوة وأخوات، وأصدقاء وأحبة. هم أحلام لم تكتمل وقصص لم تُروَ. في كل يوم يمر، تُخمد شمعة من الأمل في قلوب من ينتظرون سماع خبر، أي خبر، عن أولئك الذين اختفوا فجأة في ظلمة الليل، وأخذوا بعيدًا عن أحضان أحبائهم.
الاختفاء القسري ليس مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، بل هو جرح غائر يترك أثره على الضحايا وعائلاتهم للأبد. هذا النوع من الجرائم يتمثل في اعتقال الأفراد من قبل الدولة أو مجموعات مسلحة تابعة لها، وإخفاء مصيرهم أو مكان وجودهم، مما يترك الضحايا خارج نطاق الحماية القانونية، ويعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة.
في سورية، استُخدم الاختفاء القسري كسلاح رئيسي لقمع الأصوات المعارضة وزرع الخوف. منذ انطلاق الثورة السلمية في عام 2011، والتي طالبت بإصلاحات ديمقراطية، واجه النظام السوري تلك الأصوات بالقمع الوحشي، وتحوَّلت الاحتجاجات إلى نزاع مسلح مع تصاعد استخدام الاختفاء القسري كوسيلة لإسكات المعارضين.
في سورية، يعيش الآلاف في الظلام، بينما يعيش أحباؤهم في انتظار دائم. في كل منزل من هذه المنازل، حكاية مختلفة من الألم والصمود. هناك أمهات يقضين لياليهن في الصلاة والبكاء، وآباء يتجولون بين المكاتب الحكومية والمعتقلات بحثًا عن أي إشارة تدل على وجود أبنائهم. أطفال يكبرون وهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيرون آباءهم مرة أخرى.
الاختفاء القسري يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، ليس فقط على الأفراد، بل على المجتمع بأسره. الخوف يصبح لغة مشتركة، والشك يتحول إلى جزء من الحياة اليومية. الأمل يصبح عملة نادرة، والقصص التي تُروى هي قصص عن النجاة من القهر، وعن الصمود في وجه الألم الذي لا يوصف.
تشير التقارير إلى أن هناك أكثر من 112,000 حالة اختفاء قسري موثقة في سورية منذ عام 2011، الغالبية العظمى منها تُنسب إلى الحكومة السورية. هذه الأرقام، على الرغم من ضخامتها، لا تعكس القصص الشخصية والمعاناة اليومية للأشخاص المختفين وأحبائهم. خلف كل رقم توجد حياة قُطعت، ومستقبل توقف، وعائلة تعيش في حالة من الانتظار المؤلم.
الاختفاء القسري في سورية يتجذر بعمق في جهاز الدولة الأمني. غالبًا ما يتم أخذ الضحايا من منازلهم أو أماكن عملهم أو الأماكن العامة من قبل قوات الأمن، بما في ذلك أجهزة المخابرات. ثم يتم احتجازهم في أماكن سرية حيث يتعرضون للتعذيب وأشكال أخرى من سوء المعاملة. يتم احتجاز العديد منهم في السجون العسكرية، مثل سجن صيدنايا الشهير وسجن تدمر، حيث وصفت الظروف بأنها مروعة، مع انتشار تقارير عن إعدامات خارج نطاق القضاء، وتجويع، وتعذيب منهجي.
في بعض الحالات، يتم إطلاق سراح المختفين بعد أشهر أو حتى سنوات من الاحتجاز، ولكن يظل العديد منهم مفقودين، مع عدم معرفة مصيرهم. تواصل حكومة الأسد إنكار أي معرفة بمكان وجودهم، مما يجعل من الصعب جدًا على العائلات الحصول على معلومات أو السعي لتحقيق العدالة.
أدان المجتمع الدولي استخدام الاختفاء القسري في سورية، لكن الجهود المبذولة لمحاسبة الجناة تعرقلت بسبب تعقيدات الصراع وصعوبة الوصول إلى البلاد. منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، قامت بتوثيق الاستخدام الواسع للاختفاء القسري ودعت إلى اتخاذ إجراءات دولية، بما في ذلك فرض عقوبات مستهدفة على المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
الإطار القانوني للعدالة
*1. الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري*
تم اعتماد هذه الاتفاقية في عام 2006 وتُعتبر الإطار القانوني الرئيس لمكافحة الاختفاء القسري. تنص على حقوق الضحايا وأسرهم، بما في ذلك الحق في معرفة مصير المختفين، والحق في العدالة والتعويض. كما تشدد على أن الاختفاء القسري يعد جريمة ضد الإنسانية، ويجب محاسبة المسؤولين عنها.
*2. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة*
في عام 2021، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفيًا في سورية وتقديم معلومات حول مصير المختفين. كما أنشأت الأمم المتحدة آلية دولية محايدة ومستقلة لمساعدة في التحقيق ومقاضاة الجرائم الخطيرة المرتكبة في سورية، بما في ذلك الاختفاء القسري.
*3. المحاكمات الدولية والمحلية*
بدأت بعض الدول الأوروبية مؤخرًا في محاكمة مسؤولين سوريين بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. تُعتبر هذه المحاكمات خطوة هامة نحو تحقيق العدالة، وتفتح الطريق لمزيد من المحاسبة في المستقبل.
يُعد اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري تذكيرًا حيويًا بأن المجتمع الدولي يجب ألا ينسى ضحايا هذه الممارسة البشعة في سورية وحول العالم. إنه يوم لتكريم ذكرى المختفين، والتضامن مع عائلاتهم، والمطالبة بالعدالة والمساءلة.
بالنسبة لسورية، فإن معالجة قضية الاختفاء القسري ضرورية لأي عملية سلام مستقبلية. بدون الحقيقة والعدالة، لا يمكن أن يكون هناك مصالحة أو سلام دائم. يجب أن يستمر المجتمع الدولي في الضغط على الحكومة السورية والجهات الفاعلة الأخرى لإنهاء ممارسة الاختفاء القسري، والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيًا، وتقديم معلومات حول مصير المختفين.
فقط من خلال تسليط الضوء على هذه الممارسات الظلامية ومحاسبة الجناة يمكننا أن نأمل في منع حدوث اختفاءات مستقبلية وبناء عالم لا تتسامح فيه المجتمعات مع مثل هذه الفظائع. إن ضحايا الاختفاء القسري في سورية يستحقون ما لا يقل عن ذلك.