د. عبد الحكيم بشار – نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري
وكالة سنا
ثمّة مؤشراتٌ عديدةٌ تعزِّز من احتمال حدوث تحولات سياسية كبيرة في قادم الأيام، وتوحي أن المنطقة مقبلةٌ على تطوراتٍ قد تغيِّر وجه المنطقة، وتغيِّر بالتالي مجرى الصراع الحالي المتعدِّد الأطراف، منها ما هو مُعلن، ومنها ما هو خفي وما يزال تحت الرماد، والطرف الأساسي في هذه التحولات هي إيران التي كانت ومنذ وصول الإسلام السياسي للحكم فيها عام 1979 قد اتّبعت إستراتيجية تصدير الثورة، وألبستها بالبُعد الطائفي، وهو كان السبب الأوَّل في زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وفق تلك الإستراتيجية الامتدادية سعت طهران للتدخُّل في شؤون معظم دول المنطقة بأشكال مختلفة، ونجحت في بعضها مثل العراق واليمن ولبنان وفلسطين، حيث أنهت حالة الدولة في تلك الأقطار، وشكَّلت حالة اللادولتية استناداً إلى سطوة ميليشيات ذات خلفية طائفية في معظمها باستثناء حالة فلسطين.
وفي سورية لم تحقق إيران بعد أهدافَها النهائية لعوامل متعددة مع سعيٍ إيرانيٍّ دؤوب للتدخُّل في شؤون الدول الأخرى في المنطقة.
بالرغم من تلهُّف إيران للتمدُّد في دول المنطقة عبر مختلف الأذرع والأدوات المعتمدة في مشروعها، إلاَّ أنه بعد السابع من شهر أكتوبر من العام الجاري بدأت تظهر ملامح التغيير الكبرى على السياسة الإيرانية، وقد تجلّى ذلك التحوُّل من خلال ما يلي:
– تخلي إيران عن حركة حماس فعلياً، رافقتها تصريحات إعلامية كانت عبارة عن جعجعة من غير طحين، وصواريخ غير فعّالة من حلفاء إيران في المنطقة، مثل: الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، وكانت التصريحاتُ الصادرةُ عن الأطراف المذكورة أشبه بالمفرقعات، وصحيحٌ أن الحرب مع حماس ما تزال مستمرة، ولكن يبدو أن النتيجة باتت واضحة، فإلى جانب مقتل أكثر من 42 ألف شخص في قطاع غزة مع الدمار الهائل الذي لحق بمجمل البنية التحتية في القطاع، فإن النتيجة ستكون إنهاك حركة حماس بشكلٍ كامل وإخراجها من السلطة وربما من معادلة الصراع برمته.
– حادثة مقتل الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطُّم مروحية كانت تقلهما مع مسؤولين آخرين في منطقة وعرة قرب الحدود مع أذربيجان، بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران؛ إذ كلُّ التحليلات ذهبت آنذاك باتجاه أن مقتله كان مدبَّراً، وليس مجرّد حادث، واستندت مجمل التحليلات المتعلقة بالقضاء على رئيسي، ومَنْ معه على معطيات منطقية جداً.
– عودة الإصلاحيين للحكم عبر انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً جديداً لإيران، وهذا التحول الكبير الذي تمثل بإبعاد المتشددين عن الحكم والإتيان بالإصلاحيين على ما يبدو رسالة للغرب وللجوار أن إيران أمام مرحلة جديدة، وملامحها بانت من خلال الجولة الأولى للرئيس الإيراني في المنطقة والتي اتسمت بالإيجابية.
– اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في منطقة مُحصّنة في إيران دون رد فعل من إيران على اغتيال أحد أهم حلفائها، وعلى أراضيها، وبالرغم من أن العملية بمثابة انتهاك صارخ لسيادة طهران إلاَّ أن طهران لم تفعل أيّ شيء يقلق راحة الذين قتلوا ضيفها الكبير في عقر دارها.
– قضية انفجار أجهزة اتصال حزب الله والذي أودى بحياة العشرات وإصابة المئات معظمهم قادة عسكريون، ومقتل رئيس العمليات العسكرية في حزب الله فؤاد شكر المعروف بالحاج مُحسن أو محسن شكر، الذي له مكانة خاصة لدى الحزب باعتبار أنه أحد المسؤولين عن تخطيط وتنفيذ الهجوم على مقرِّ مشاة البحرية الأمريكية والتفجيرات التي استهدفت قواعد القوات المتعددة الجنسيات في بيروت عام 1983، وكذلك الأمر مقتل قائد المجلس العسكري إبراهيم عقيل خلفاً لفؤاد شكر، وإلحاق الشلل بعملية التواصل بين قيادات حزب الله.
بناءً عليه فإن مسار الأحداث يشير إلى أن حزب الله أيضاً يمضي بنفس اتجاه حركة حماس، وأن دولة إسرائيل مصممة على هزيمة عسكرية ماحقة بحزب الله وجعله مشلولاً وغير قادرٍ على إعادة بناء نفسه، وذلك لسبيين:
الأوَّل: هو حجم الضرر الكبير الذي سيلحق بالحزب عبر اغتيال معظم قادته السياسيين والعسكريين، وقد يكون حسن نصر الله ذاته هدفاً محتملاً؛ والسبب الثاني: هو الاحتمال الكبير أن إيران لن تسعى إلى تقديم أيّ دعم حقيقي لحزب الله لا في مرحلة الحرب ولا بعده، الأمر الذي يعني تخلّي إيران عن أهم حليفين رئيسيين لها في المنطقة، وربما يأتي الدور لاحقاً على باقي حلفاء طهران في الجوار، لأنه على ما يبدو هناك ترتيبات جديدة في المنطقة تطبخ في دوائر مغلقة وضيقة جداً بعيداً عن وسائل الإعلام.
والسؤال المطروح هو:
هل ستطال هذه التغييرات الوضع في سورية؟ وجواب ذلك أنه من الممكن أن يشملَ ذلك التغييرُ الوضعَ داخل سورية في حالتين مرتبطتين ومتلازمتين حكماً، أولهما: اتباع النظام نفس سياساته السابقة، وثانيهما قدرة المعارضة السورية على توفير البديل، ووفق المعطيات الراهنة يظهر أن الشرط الثاني بعيد المنال، لذلك من الصعب جداً الاعتقاد بأن الترتيبات الجديدة ستطال سورية، وإن طالتها فبتصوّري ستقتصر على تحجيم دور إيران، وإنهاء الميليشيات الطائفية في سورية.
أما بالنسبة لإيران فلعله سيكون من نتائج ذلك التغيير هو الاعتراف بدور إقليميٍّ مهمٍّ لها مقابل التخلّي عن إستراتيجيتها القائمة على تصدير الثورة وزعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال دعم المليشيات الطائفية.