وكالة سنا – خاص
تتزايد الأنباء المتداولة حول استعدادات فصائل الثورة السورية لشن عملية عسكرية جديدة تهدف إلى السيطرة على مدينة حلب، مستغلة الانشغال الحالي للميليشيات الإيرانية وحزب الله في المعارك الجارية في جنوبي لبنان.
تتزامن هذه الأنباء مع تعرض الميليشيات الإيرانية في سورية لضربات جوية متتالية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعل توقيت العملية يبدو مناسباً، وفقا لبعض المصادر المعارضة.
في هذا السياق، بدأت الفصائل بتوجيه تلميحات عن إمكانية بدء معركة كبيرة في حلب، وهو ما دفع نظام الأسد إلى تعزيز قواته في شمال غربي سورية، حيث أرسلت “الفرقة 25” عدة أرتال إلى المنطقة في تحرك يستهدف بحسب مراقبين تعزيز مواقعه الدفاعية أمام أي هجوم محتمل.
وبينما تتراوح الأنباء بين النفي والتأكيد، تبقى المنطقة وسكانها عرضة للشائعات حول قرب بدء المعركة، وأثرت هذه الشائعات بشكل كبير على المدنيين في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، حيث دفع الخوف من التصعيد العسكري العديد منهم إلى النزوح نحو مناطق أكثر أمناً، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر في حال اندلاع المعارك.
هل تنطلق معركة حلب؟
يلفت محللون سياسيون إلى أن أي عملية عسكرية في سورية لا يمكن أن تنطلق دون غطاء سياسي دولي، خاصة في ظل تداخل المصالح الإقليمية والدولية في البلاد.
وعلى وجه الخصوص تعد حلب من المناطق التي تحكمها اتفاقيات دولية معقدة، ما يجعل أي تحرك عسكري يحتاج إلى ضوء أخضر من القوى الكبرى الفاعلة في الملف السوري.
وفي هذا السياق، يقول الناشط السياسي عبد الكريم العمر إن المنطقة ككل مقبلة على تصعيد، خاصة مع الانفجار الحاصل على مستوى المنطقة من غزة إلى لبنان إلى سورية، وتعرض الميليشيات الإيرانية وحزب الله إلى ضربات إسرائيلية.
وأضاف العمر في حديث لوكالة “سنا”: “هذا البركان الذي يبدو أنه لا يمكن أن يخمد خلال فترة قريبة، والشمال السوري هو جزء من سورية وهناك إمكانية بالفعل لأن تحدث معركة من قبل الفصائل، فلا يوجد لحظة تاريخية يمكن أن تستغل من قبل المعارضة السورية السياسية والعسكرية مثل هذه اللحظة”.
ويعتقد العمر أنه “لا يمكن أن يمر ظرف يمكن خلاله أن تثبت المعارضة وجودها ودورها مثل هذه اللحظة، فالميليشيات الإيرانية وحزب في حالة ضعف ووهن شديد”، مضيفاً: “على الفصائل أن تستغل هذه اللحظة للمبادة بضرب نظام الأسد وميليشيات إيران على امتداد المنطقة وليس فقط في حلب”.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي، د. باسل معراوي إن التدخل الروسي في سورية في 30 ايلول 2015 كان بداية لتغيير موازين القوى العسكرية على الأرض حيث كان نظام الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط ولم يتمكن حزب الله وفيلق القدس الإيراني من حمايته.
وأضاف في تصريح لوكالة “سنا”: “القوى التي أفرزت خطوط التماس الحالية بدأت بالاختلال لمصلحة قوى الثورة، إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث بدأ الجيش الروسي بسحب أهم أسلحته وضباطه من سورية، ثم تم إنهاء دور ميليشيا فاغنر، وبات الروس معزولين عالمياً ومعاقبين اقتصادياً ومنهمكين في المستنقع الأوكراني، وهذا مؤشر هام لضعف أصاب النظام بضعف حليفه الأكبر”.
وتابع: “بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، اندلعت بدايات حرب كبرى بين حليفه الإيراني وأذرعه مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتدحرجت الحرب إلى أن وصلت لمرحلة اجتثاث حزب الله من لبنان، وقتل أمينه العام ومعظم قادته الكبار، وهو من أهم داعمي النظام، وبذلك يكون الأسد بدأ بفقد ساقيه الإيراني والروسي اللذين يحملانه”.
ويعتقد معرواي أن مدينة حلب ليس من الممكن أن تكون هدفاً مناسباً لتحريرها، إنما من الممكن تطويقها من جهة الغرب والجنوب وتحرير المنطقة الممتدة لمنطقة مورك وهي المنطقة التي وقع الرئيسان التركي والروسي اتفاقية سوتشي بشأنها في أيلول عام 2018 باعتبار تلك المنطقة ستبقى آمنة وتكون بحماية نقاط المراقبة التركية، ولكن الروس وبسبب امتلاكهم لفائض القوة خرقوا كل تلك الاتفاقية.
استعدادات الفصائل لتحرير حلب
يشير الناشط السياسي عبد الكريم العمر إلى أن الدعم العسكري متوقف عن المعارضة السورية منذ 2016 وبالتالي معركة حلب يجب أن يحسب لها حساب، بداية من أن النظام لن يرد فقط بالقصف المدفعي وسيكون هناك طيران روسي يقصف المدن والبلدات وبالتالي هذا سيؤدي إلى ارتكاب مجازر بحق المدنيين.
كما أكد العمر أن المعركة بحاجة إلى استعداد وتوفير دعم كبير من قبل جهات دولية، خاصة أن الأمر ليس هو ضد النظام فقط وإنما ضد الميليشيات الإيرانية والواضح هو وجود قرار اتخذ بإنهاء تواجد هذه الميليشيات على مستوى المنطقة وليس فقط في لبنان أو سورية.
وأضاف: “لذلك هذه المعركة بحاجة لأن يكون لها دعم عسكري كبير، ولا شك أن الفصائل مستعدة نوعاً ما لكن أيضاً هي بحاجة للدعم المالي والعسكري الكبير وأن تكون هناك غرفة عمليات واحدة لكل الفصائل وناطق عسكري ومكتب سياسي واحد”.
بدوره، أشار د. باسل معراوي إلى أن الفصائل تتفوق معنوياً على ميليشيات الأسد المنهارة، والتي بتدحرج المعركة باتجاه سورية من لبنان، سينصب تركيز إيران على الجنوب السوري والقلمون، وعلى المنطقة الشرقية الاستراتيجية بالنسبة للمحور الإيراني.
وتابع: “ستتمتع الفصائل السورية بدعم من الجيش التركي، وقد يتغاضى الأمريكان عن الحظر المفروض على الأسلحة النوعية كالمضادات الجوية ومضادات الدروع الحديثة، وبالتالي فإن هزيمة قوات الأسد في هذه البقعة وفي هذه المرحلة لن يكون صعباً”.
انعكاسات معركة حلب على الملف السوري
قال معراوي إن تلك المعركة -إن حدثت- ستترك انعكاسات كبيرة على الملف السوري فهي ستقوي أوراق المعارضة وتضعف أوراق النظام في المفاوضات، خاصة أن تغيير موازين القوى على الأرض هو السبيل الوحيد لإرغام النظام على الجلوس على طاولة الحل وتطبيق مفرداته وأولها تشكيل هيئة الحكم الانتقالي والتي تعني ضمناً سقوط الأسد.
بدوره، رأى العمر أن النظام لن يتوقف أمام الفصائل المعارضة فهو ضعيف وهزيل، ولكن سيقصف المدنيين وسيرتكب الطيران الروسي مجازر، وسيكون للمعركة انعكاسات سلبية إن لم يتوفر التخطيط والإعداد والدعم الكبير لها.
من ناحية أخرى ستكون للمعركة انعكاسات إيجابية عندما تسيطر الفصائل على مناطق جديدة أو تقوم بقطع طريق الـ M5والسيطرة على مدينة حلب وهذا يمكن أن يعيد التوازن على مستوى سورية، وبالتالي لها جوانب إيجابية إذا أحسنت المعارضة التصرف وتوفر الدعم اللازم للمعركة، بحسب العمر.
وفي الختام، يبقى مستقبل العملية العسكرية هذه غير واضح، في ظل الصمت الرسمي للفصائل وعدم صدور بيانات حاسمة من الأطراف المعنية، وبينما يتواصل التحشيد العسكري، تظل الأنظار مسلطة على التحركات الدبلوماسية الدولية ومدى تأثيرها على القرار النهائي بشأن خوض المعركة.