مرّ عقد على توقيع الميثاق الجامع للفرق التطوعية العاملة في سوريا في الخامس والعشرين من تشرين الأول عام 2014 معلناً انطلاق مؤسسة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) كمظلة وطنية لكل فرق الإنقاذ السورية تحمل على عاتقها القيام بمهام الحماية المدنية وإنقاذ الأرواح وتقديم المساعدة للسكان على امتداد الجغرافيا السورية.
ومنذ تأسيس الدفاع المدني السوري كانت لدينا مهمة جوهرية وهي إنقاذ الأرواح، وجعلنا شعارنا الآية القرآنية “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”، وعلى مرِّ السنوات تمكنّا من إنقاذ أكثر من 128 ألف روح، وهو الإنجاز الأهم في عمل المؤسسة خلال السنوات العشر الماضية.
وفي ظل الواقع الذي فرضته الحرب على السوريين، لم يقتصر دورنا على الاستجابة الطارئة فقط، و شهدت المؤسسة تطورات كبيرة في الخدمات المقدمة وهيكليتها الإدارية وبرامجها وقدراتها بما يتناسب مع احتياجات المدنيين، مع بقاء إنقاذ الأرواح هو جوهر عملنا.
خلال العقد الماضي، استجابت فرقنا لعشرات الآلاف من الهجمات الجوية والأرضية والهجمات الكيميائية، إلى جانب الاستجابة للكوارث الطبيعية وعلى رأسها زلزال شباط 2023 المدمر، وإطفاء الحرائق وحوادث السير، وقدمنا الرعاية الصحية والإسعافات الأولية لمئات الآلاف من المدنيين، و قمنا بإزالة أكثر من 25 ألف ذخيرة غير منفجرة من مخلفات الحرب، وساعدنا في إعادة تأهيل البنية التحتية من خلال مشاريع نوعية مع التركيز على المنشآت التعليمية والطبية وشبكات الطرقات ومشاريع المياه والإصحاح.
وبالإضافة إلى دورنا في عمليات البحث والإنقاذ وتعزيز مرونة المجتمعات، فقد جعلنا من توثيق الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية في سوريا وتقديم الأدلة المتعلقة بها أولويةً لنا سعياً لتحقيق العدالة للشعب السوري.
إن الأعمال التي نقوم بها في مساعدة مجتمعاتنا وتوثيق الجرائم والانتهاكات، جعلت من متطوعاتنا ومتطوعينا هدفاً لهجمات ممنهجة من قبل نظام الأسد وروسيا وحلفائهم كما عرضتهم لظروف بدنية ونفسية قاسية جداً، وفي هذه الذكرى تستحضرنا تضحياتٌ لا تغيب عنا لـ 312 متطوعاً فقدوا أرواحهم، ومئات المصابين على مدى السنوات الماضية، أغلبهم كانوا ضحايا لهجمات مزدوجة من نظام الأسد وروسيا أثناء أداء واجبهم الإنساني، هم مَثلُنا وقدوتنا في كل لحظة، وسنواصل السير على درب العطاء الذي خطوه بدمائهم.
إن محبة وإيمان أهلنا السوريين في المجتمعات التي نخدمها والسوريين حول العالم وثقتهم بنا تمكننا من مواصلة عملنا المنقذ والداعم للحياة كل يوم، وإننا نفخر بمحبتهم وثقتهم هذه ونجدد عهدنا لهم بالاستمرار في العمل من أجلهم.
وإننا إذ نؤكد أن ما حققناه من إنجازات لم يكن ممكناً لولا الدعم القيّم من شركائنا ومجموعة المانحين الدولية (كندا، الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، صندوق قطر للتنمية، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية) والمنظمات والأفراد حول العالم، والذي ساهم في تمكيننا من توسيع عملياتنا وبناء قدرة فرقنا على الاستجابة بفعالية للتحديات، فإننا نشكر جميع من ساهم ودعم إنقاذ الأرواح ولتكون حياة السوريين أفضل.
وبينما نحيي هذه الذكرى، فإننا ننظر إليها بأنها تذكير بقدرة الشعب السوري على تأسيس كيانات ومؤسسات تتبنى قيماً وطنية وتؤمن بمبادئ العمل الإنساني، تجمع السوريات والسوريين وتعمل من أجل إنقاذ الأرواح في أكثر البيئات تحدياً بسبب الحرب المستمرة على السكان.
وفي الوقت الذي نتطلع فيه إلى المستقبل، ندرك أهمية الاستمرار في تطوير برامجنا، من خلال تعزيز تدريباتنا ومواردنا وبناء قدراتنا، بهدف تقديم أفضل خدمة ممكنة للسكان، وضمان أن تكون كل حياة يتم إنقاذها خطوة نحو المستقبل، وسيظل تركيزنا ثابتاً في العمل على تحقيق العدالة لجميع السوريين، ونؤكد أن رسالتنا لا تنحصر ضمن حدود الجغرافيا بل تمتد لتكون صوتاً عالمياً يدعو إلى التضامن الإنساني والعمل المشترك لإنقاذ الأرواح.
نجدد التزامنا بمبادئ العمل الإنساني، ونؤمن بأن الوقوف إلى جانب الإنسان ومساعدته وتقديم يد العون له في ظروف الحرب والتهجير والكوارث الطبيعية وتمكين المجتمعات وبناء قدراتها وتحقيق الاستدامة في الاستجابة من أهم الأعمال لبناء سوريا، ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية إلا من خلال جهودنا الجماعية، مدفوعين بإيماننا بأن كل عمل نقوم به اليوم هو بذرة في بناء سوريا المستقبل…سوريا العدالة والسلام.
المصدر: موقع الدفاع المدني السوري