تشهد مناطق إدلب ارتفاعاً كبيراً في أجور المنازل مع قدوم فصل الشتاء، حتى باتت العوائل النازحة خصوصاً تواجه صعوبة في إيجاد منازل مناسبة، الأمر الذي زاد من صعوبة متطلبات المعيشة في المنطقة.
تزامن ارتفاع أجور المنازل مع نزوح آلاف العوائل من مناطق إدلب الجنوبية والجنوبية الشرقية وريف حلب الغربي، والتي هربت من التصعيد العسكري لقوات الأسد، بعد تصاعد الأنباء عن قيام فصائل المعارضة بعمل عسكري باتجاه سيطرة مناطق الأسد.
يقول محمد الأحمد، وهو نازح من بلدة تلمنس جنوبي إدلب، ومقيم في مدينة بنش بريف إدلب الشرقي لوكالة سنا، إن الأهالي في الشهر الفائت عاشوا رعباً حقيقياً خاصة في المناطق القريبة من خطوط التماس، فنحن في مدينة بنش نقلنا أغلب المتاع الثقيلة وغالية الثمن من تجهيزات الأراضي الزراعية ومستودعات التخزين والمحال التجارية إلى المناطق الغربية والشمالية لإدلب.
يضيف الأحمد: “أعرف بعض سكان مدينة سرمين ممن نزحوا مرخراً إلى منطقة الشيخ يوسف غربي إدلب، لم يجدوا منازل للآجار، وإنما تم عرض فقط منازل للبيع، مما اضطرهم لشراء منازل بضعف ثمنها بسبب اضطرارهم لإيجاد مسكن.
صعوبات تواجه السكان
يواجه إبراهيم حميدي صعوبات كبيرة في إيجاد منزل مناسب له ولعائلته في إدلب، بعد أن طالبه مالك المنزل بزيادة في الآجار بمبلغ 35 دولاراً أمريكياً بعد أن كان بـ90 دولاراً، وبعد رحلة أكثر من شهر لم يجد منزلاً مناسباً واضطر للرضوخ لطلب صحاب المنزل بتلبية طلبه برفع الآجار.
كانت تتراوح أجور المنازل منذ عدة أشهر، 50 دولاراً للغرفتين و75 دولاراً لثلاث غرف، وتنقص أو تزيد بحسب تطور المنطقة العمراني والخدمات الموجودة فيها .
ويعتمد أغلب سكان إدلب على ما يرسله ذووهم من خارج سورية لدفع الإيجار، في ظل انتشار البطالة تردي الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.
المشكلة نفسها يواجهها أيضاً مجد الأحمد، المهجر من جنوب حلب، الذي يعيش مع 8 من أفراد عائلته، الذي يجد صعوبة في إيجاد منزل مناسب وبسعر يستطيعون تحمله شهرياً.
وقال مجد إنه صار من الصعب العثور على منزل مناسب، حتى بعد البحث المستمر، فإيجار بيت مكون من غرفتين كان سابقًا لا يتجاوز 50 دولاراً في منطقة جيدة، أما اليوم فوصل لسعر 100 دولار، أما المنزل المكون من 3 أو 4 غرف فقد يصل لسعر 200 دولار شهرياً.
لا يتناسب إيجار المنزل أيضاً مع دخل باسم الشهري الذي يبلغ (180 دولاراً)، إذ يمثل نصف راتبه تقريباً، ما يؤثر على معيشة عائلته، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء، إذ يضطر إلى تخصيص جزء كبير من الراتب لدفع الإيجار على حساب شراء الملابس الشتوية ووسائل التدفئة.
ما سبب الارتفاع؟
بحسب عدد من سكان أصحاب مكاتب عقارية في محافظة إدلب الذين أفادوا لوكالة سنا، بأن ارتفاع أسعار أجور المنازل تعود لعدة أمور أبرزها: “موجات النزوح المتكررة من المناطق التي تتعرض لقصف النظام وروسيا مؤخراً، وعودة سوريين من تركيا أو ترحيلهم إلى مناطق شمال غربي سورية، وعدم وجود إجراءات من السلطات المحلية لضبط سوق الإيجارات، إذ يتحكم بعض أصحاب العقارات بشكل كامل في تحديد الأسعار ومواعيد رفعها”.
إضافة إلى “العشوائية في العقود المبرمة التي تتفاوت في شروطها، فبعض العقود تتيح رفع الإيجار بعد ستة أشهر، وأخرى كل ثلاثة أشهر، ما أدى إلى زيادات خلال الفترة الأخيرة”.
تفاوت في الأسعار
أوضح بعض أصحاب المكاتب العقارية فإن أسعار الإيجارات ومبيع البيوت تتفاوت بين الأحياء القديمة والجديدة في المدينة، وتختلف بشكل ملحوظ.
ففي الأحياء القديمة، يبلغ إيجار شقة مكونة من غرفتين حوالي 70 دولاراً شهرياً، بينما تصل تكلفة إيجار الشقة ذات الأربع غرف إلى حوالي 125 دولار.
أما في الأحياء الجديدة، التي تتميز بالبناء الحديث والخاضع للرقابة والتفتيش، فإن إيجار الغرفتين يصل إلى 100 دولار شهرياً، بينما يتجاوز إيجار الأربع غرف 150 دولاراً شهرياً.
بينما في الأحياء القديمة، فأسعار الشقق مكونة من غرفتين تبلغ حوالي 5000 دولار، بينما تصل أسعار الشقق ذات الأربع غرف إلى حوالي 10 آلاف دولار أو أكثر.
أما في الأحياء الجديدة، فتبدأ أسعار الشقق المكونة من غرفتين من 9500 دولار، في حين تتجاوز أسعار الشقق ذات الثلاث غرف 14000 دولار.
تتفاوت الأسعار بناءً على المساحة والموقع والاتجاهات، وتُعرض الشقق في الأحياء الجديدة مجهزة بالكامل للسكن.
تجذب الأحياء الجديدة العديد من التجار بسبب توافر المحلات التجارية والمولات، إضافة إلى أن البناء الحديث يتم تحت إشراف ورقابة، ما يجعله مفضلاً لدى كثير من السكان بحسب ما أفادوا لوكالة سنا.
كثافة سكانية وأزمات اقتصادية
تشهد مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية ارتفاعاً مستمراً في عدد السكان تخطى 6 ملايين، بحسب إحصائية فريق “منسقو استجابة سوريا” لعام 2024، وتعد هذه النسبة مرتفعة قياساً إلى المساحة الجغرافية لتلك المناطق، التي لا تتجاوز 10% من مساحة سورية.
وتشكل هذه الكثافة السكانية التي تنمو بشكل متسارع تحدياً إنسانياً كبيراً، إذ تزيد من مأساة المنطقة التي تعاني أصلاً من شح الموارد الاقتصادية والطبيعية وتهالك البنية التحتية، إضافة إلى تعدد الجهات العسكرية المسيطرة عليها وما نتج عنها من حالة عدم الاستقرار.
مع تلك الزيادة السكانية واستمرار تدفق النازحين داخليا وعودة اللاجئين من دول الجوار، زاد الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة في تلك المناطق، والتي لا تضم ثروات باطنية وتقتصر مواردها الطبيعية على المياه والزراعة، ورافق زيادة الطلب على السكن تقلصٌ ملحوظ في مساحة الأراضي الزراعية عقب إنشاء العديد من المخيمات والكتل السكنية عليها.
هذا الواقع خلق كثيراً من الأزمات الاقتصادية والمعيشية، منها وصول نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر إلى نحو 91%، أما نسبة الجوع فقد تخطت 41% من إجمالي العائلات الفقيرة، في حين تجاوزت نسبة البطالة 88%، بحسب فريق “منسقو استجابة سوريا”.