خلفت الحرب في سوريا أكبر أزمة لاجئين في التاريخ الحديث، مما أدى إلى نزوح الملايين من السوريين سواء داخل سوريا أو لاجئين خارجها. وسط هذه المأساة الإنسانية، حاول الشباب السوري عدم الاستسلام للواقع المرير وعشرات الآلاف منهم استكملوا دراستهم الجامعية. التكنولوجيا وفرت حلولاً مبتكرة لتجاوز الحدود، من مخيمات اللاجئين إلى الشوارع الأوروبية وحتى من لجأ لدول العربية. التعليم الإلكتروني، أو كما يسمى التعليم عن بعد، كان الأداة الفعالة.
في جامعة University of the People، درس قرابة العشرين ألف طالب سوري، منهم على نفقته الخاصة ومنهم عبر منح تعليمية. المعضلة الأساسية للاجئين كانت الوثائق الرسمية وصعوبة الالتحاق بجامعات الدول التي لجأوا إليها، وعليه وجدوا في التعليم عن بعد الحل الأمثل. يروي مؤيد شعبان رحلته التعليمية: “كانت رحلتي في جامعة الشعب للتعليم عن بعد بمثابة شهادة على قوة التعليم في التغلب على الشدائد. وعلى الرغم من تحديات النزوح، فقد وفرت لي منصة التعلم عبر الإنترنت المرونة للتعليم وخلقت لي الفرصة لمواصلة دراستي في إدارة الأعمال. والآن، بعد سنوات من الغياب، عدت إلى دمشق والتقيت بعائلتي وأنا حريص على وضع شهادتي التعليمية موضع التنفيذ والمساهمة في إعادة بناء مجتمعي. وتتضمن خططي المستقبلية دراسات أخرى لتعميق معرفتي ومهاراتي مما يمكنني من إحداث تأثير مفيد على المجتمع.”
مع بداية نهاية المعاناة في سوريا، نشأت الحاجة إلى إعادة تقييم أسس التعليم التي تطورت بشكل مذهل خلال السنوات الأخيرة. العديد من الجامعات الأوروبية والأمريكية، مثل Harvard و Yale، باشرت في السنوات الأخيرة تطبيق التعليم الإلكتروني، سواء بشكل جزئي بعد جائحة الكورونا أو العمل على تطبيقه بشكل كامل. الطالب، أينما كان، يستطيع الدراسة عن بعد والالتحاق بجامعات يصعب عليه الحصول على تأشيرة للدراسة فيها لأن العديد من الدول صعّبت الحصول على تأشيرات رسمية.
يوسف الخليل، نزح إلى إدلب، ولسنوات كان لا يرى أي مستقبل أو أمل، لكنه باشر الدراسة عبر الإنترنت وهو الآن يشق طريقه كالعديد من الطلبة السوريين الذين استفادوا من الدراسة عبر الإنترنت. قال يوسف موضحًا أهمية التعليم الإلكتروني: “في ظل الظروف التي مرت بها سوريا، إلا أنني درست. الوضع الآن جيد وأفضل مما كان عليه في السابق. لقد كانت تجربة الدراسة عبر الإنترنت بمثابة طوق النجاة لي، وهذا بفضل التكنولوجيا، حيث تمكنت من متابعة تعليمي وتحقيق أحلامي. الآن أنا مقيم في إدلب، وأخطط للعودة إلى مدينتي الجميلة اللاذقية وأساهم في بناء وتطوير وطني في مجالي واختصاصي.”
يرى خبراء التعليم أن التعليم الإلكتروني، خلال الثورة السورية وحتى في عام جائحة الكورونا، شكل نموذجًا متطورًا لرفع مستوى التعليم. يقول دان كليمنسون: “الأدوات التكنولوجية الحديثة باتت أكثر تطورًا وكفاءة لدعم منهج التعليم الذي سيتقدم فقط إلى الأمام باستخدام التعليم عن بعد. والعالم الآن بات يتعامل مع كل ما هو إلكتروني، فلماذا يكون التعليم بعيدًا عن هذا التقدم؟ والطلاب السوريون وجدوا فيه الحل الأمثل لاستئناف دراستهم التي ما كان لها أن تنجز لولا تلك الأدوات الجديدة.”
مجد حوراني هو طالب آخر درس عبر الإنترنت: “كمواطن سوري، الدراسة عبر الإنترنت أعطتني فرصة لا تقدر بثمن لمتابعة التعليم العالي في مجال الرعاية الصحية على الرغم من تحديات الحرب والعقوبات الدولية. ومن خلال التزامهم بتوفير تعليم يسهل الوصول إليه وبدون رسوم دراسية وشهادة أمريكية معترف بها، تمكنت من الحصول على شهادة بامتياز، وذلك بفضل أدائي الأكاديمي القوي. ألهمتني هذه التجربة للدعوة إلى دعم عالمي أوسع للطلاب السوريين للمساعدة في إعادة بناء بلدنا. ومع ظهور سوريا الجديدة، أعتقد أن الاستثمار في التعليم هو المفتاح لتمكين السوريين من استعادة الأمل وخلق مستقبل أكثر إشراقًا.”
مع بداية عودة اللاجئين والنازحين، سيكون على الحكومة السورية دمج أولئك الخريجين في سوق العمل إضافة للعمل في الحكومة الجديدة التي ستتولى تطوير البلاد بشكل حديث وتقني. وعليه، ليس كل اللاجئين سيعودون كعبء، بل على العكس، هناك الشباب السوري الذي يعود حاملاً معه شهادات علمية وقادرًا على بدء صفحة جديدة في سوريا.