كشف مدير المكتب الإعلامي لرأس النظام المخلوع، كامل صقر، تفاصيل اللحظات الأخيرة في حكم بشار الأسد، والتحولات الميدانية، والملفات التي واجهها قبيل هروبه من دمشق.
وقال صقر إن الأيام التي سبقت سقوط بشار الأسد كانت مليئة بالاتصالات السياسية المكثفة، حيث قاد وزير الخارجية بسام صباغ ومعاونه حبيب عباس مفاوضات على مدار يومين مع أطراف مختلفة، من بينها الحكومة العراقية، بهدف الوصول إلى صيغة سياسية انتقالية، إلا أن تسارع الأحداث الميدانية حال دون ذلك.
وأكد أن بشار الأسد كان في موسكو يوم 26 تشرين الثاني للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف طلب المساعدة، موضحاً أنه وصل يوم الأربعاء، لكن اللقاء تأخر حتى الجمعة، وخلال تلك الفترة، كانت حلب قد وقعت بيد قيادة العمليات العسكرية.
وزعم صقر أن هناك شعور بأن التأخير لم يكن محض صدفة، كما أن اللقاء في الكرملين اقتصر على بشار الأسد ومرافقه الشخصي، وهو ضابط برتبة عميد يدعى محسن محمد، واستمر اللقاء حوالي ساعة، ولم تكن النتائج مشجعة أو تحقق الغايات التي سافر بشار لأجلها.
وبحسب صقر فقد طلب بشار الأسد من بوتين دعمه عسكرياً وتسهيل وصول المساعدات الإيرانية عبر المجال الجوي السوري بما يشمل استخدام قاعدة حميميم، إلا أن الرد الروسي كان مختلفاً عما كان يتوقعه بشار الأسد.
وخلال اللقاء أبلغ بوتين بشار الأسد أنه سيتخذ خطوات لتسهيل هذا الدعم، بما في ذلك إجراء اتصال برئيس الأركان الروسي لضمان تهيئة الظروف لنقل المعدات الإيرانية إلى سورية، ومع ذلك، لم تترجم هذه الوعود على أرض الواقع، كما أن الإيرانيين أبلغوا نظام الأسد أنهم لم يتلقوا أي إشارات أو موافقات تسمح بتحرك طائراتهم نحو قاعدة حميميم.
وأضاف أن بشار الأسد عاد إلى دمشق وسط أجواء غير واضحة، خاصة بعد التطورات العسكرية التي أدت إلى سيطرة المعارضة على مناطق واسعة، حيث أقلعت الطائرة الروسية التي أقلت بشار الأسد من موسكو عند الساعة الرابعة من عصر السبت، لتصل إلى مطار دمشق الدولي في الثامنة مساءً.
وفور عودته إلى دمشق، عقد الأسد اجتماعاً مع اللجنة السياسية التي تضم وزير الخارجية ومعاونيه ونائبه والمستشارة بثينة شعبان، استعرض خلاله بشكل مقتضب تفاصيل زيارته لموسكو وتحدث عن التطورات المتعلقة بسقوط حلب، وقال إنه طلب من بوتين تأمين غطاء لإيران للسماح بوصول المساعدات العسكرية
ويقول صقر إن أجواء الاجتماع كانت متوترة، خاصة أن الوضع الداخلي في سورية كان يعاني من أزمة حادة، كالوضع المعيشي الذي كان سيئاً، والاقتصاد في حالة انكماش شديد، مع تدهور الإمكانيات اللوجستية والنفسية للمؤسسة العسكرية، مما جعلها غير قادرة على خوض معركة طويلة الأمد.
ويشير صقر إلى أن الظروف السياسية والعسكرية قبل سيطرة المعارضة على حلب كانت معقدة، وكان يظهر أن الجو العام يبدو مستقراً، لكن في العمق، كانت الأوضاع سيئة للغاية، حيث كانت روسيا منشغلة بالصراع في أوكرانيا، بينما إيران وحزب الله كانا يشعران بنوع من الخذلان نتيجة تقارب نظام الأسد مع الدول العربية.
كما أن الأسد لم يكن يشعر بالقلق، وربما لم يتصور أن الأمور يمكن أن تتدهور بهذه السرعة، حتى التقارير الأمنية التي تحدثت عن احتمالية هجوم لم تكن واضحة بما يكفي لاتخاذ قرارات استباقية، وبحسب صقر فإن المؤسسة العسكرية لم تكن راغبة في خوض معركة جديدة.
وأضاف: “ما حدث بعد السيطرة على حلب يشير إلى أن الجيش كان ببساطة غير راغب في الاستمرار في معركة جديدة، إذ كانت الحرب بالنسبة له قد أصبحت عبئاً ثقيلاً لا طائل منه، وبالنسبة للعديد من الجنود، استمرار الحرب لم يكن مبرراً بعدما مضت أربع سنوات من الثبات النسبي منذ العام 2020”.
كما أكد صقر أن الروس كانوا قد ابتعدوا عن المعادلة السورية في تلك المرحلة، وبسبب الانشغال بالصراع الأوكراني، لم يقدموا الدعم المتوقع، كما أن الإيرانيين أظهروا تراجعاً واضحاً.
وأشار إلى أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي زار دمشق بعد تحرير حلب، إلا أن اللقاء معه كان بارداً ومحدود النتائج، كما أن عراقجي بدا غير متحمس، وأشار إلى أن إيران لن تتدخل عسكرياً لدعم الأسد.
وفي وقت لاحق، جرى لقاء سري بين بشار الأسد وعلي لاريجاني، الذي وصل مساء يوم الجمعة 6 كانون الأول، وحضر اللقاء خمسة أفراد من الجانب الإيراني، واختار بشار أن يلتقيهم بمفرده.
وبحسب صقر، لم يكن هذا اللقاء بناءً كما كان يأمل الأسد، إذ عكس تراجع إيران عن دعم النظام بشكل واضح، وبعد الاجتماع، ظهرت ملامح خيبة الأمل على الأسد، مما يشير إلى أن الرسائل الإيرانية كانت تشير إلى حدود دعمها في تلك المرحلة.
وتابع: “كان الأسد يعوّل على إمكانية تدخل إيراني أو روسي لإيقاف العمليات العسكرية عند حد معين، لكنه واجه رفضاً واضحاً من الطرفين لبذل جهود حقيقية لتحقيق هذا الهدف، في الوقت نفسه، أكدت تركيا، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا ينوي الدخول في وساطات مع الأسد، مما جعل الطريق مفتوحاً أمام المعارضة للوصول إلى دمشق”.