مقال رأي – عبد الرحيم التاجوري
باحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
اجتمع عدد من وزراء الخارجية وكبار الدبلوماسيين من دول غربية وعربية، الأحد في العاصمة السعودية، الرياض لبحث الوضع في سورية بعد سقوط نظام الأسد، وكان من أبرز محاور القمة تخفيف العقوبات وتشكيل حكومة شاملة، وسط دعوات دولية لدعم المرحلة الجديدة في البلاد بعد نزاع دام أكثر من 13 عاماً.
ويأتي اجتماع الرياض في وقت يسعى فيه رئيس الإدارة الجديدة في دمشق أحمد الشرع، الذي سيطرت قواته مع فصائل معارضة مسلحة على دمشق وأطاحت بحكم الأسد الشهر الماضي، إلى تخفيف العقوبات عن البلاد، واكتساب الشرعية الدولية وبناء الدولة.
وتحتاج بذلك الإدارة السورية الجديدة إلى التعاون مع جميع الدول المعنية بالملف السوري، والتزام الحياد السياسي دون السقوط تحت هيمنة دولة معينة، في مسعى منها لحشد الدعم والشرعية الدولية وتحقيق أجنداتها في رفع العقوبات وبناء سورية الجديدة، إلا أن عدداً من الدول تحاول تمرير مصالحها وفرض هيمنتها من خلال مطالب وحاجات الإدارة السورية.
حيث تعد “الأزمة السورية” واحدة من أكثر الأزمات التي شهدت تدخلات خارجية، وتتقاطع فيها مصالح دولية وإقليمية بشكل يثير مخاوف من تأثير ذلك على عملية صناعة القرار في البلاد بحسب مراقبين، خصوصًا وأن دولًا كالولايات المتحدة الأمريكية يمتد منظورها السياسي بامتداد مصالحها فقط، وجميع سياساتها إلى الآن في سورية مُقلقة وغير جدية في دعم نهوض الدولة السورية من جديد.
كما أن التدخل الإسرائيلي واجتياحه السافر للمناطق الحدودية في الجنوب السوري ليس إلا نتيجة لتشابك المصالح وتقاطعها، وسببه الرئيسي أطماع قديمة لم يعد لها رادع وإرادة دولية قوية لإيقافه.
وفي هذا السياق، أشار المحللون السياسيون إلى أن براغماتية الإدارة السورية الجديدة، قد تحول دون سقوط سورية في مستنقع تضارب المصالح والنفوذ الدولي، كونها مدت يدها إلى العديد من الدول الأخرى للحفاظ على موازين القوى في البلاد، كروسيا والصين والإمارات ومصر.
وبهذا الصدد، تحدّث المحلل السياسي محمد الفقري عن أسباب مغازلة أحمد الشرع لروسيا على الرغم من مواقفها السابقة في دعم نظام الأسد، وعرضه إعادة النظر في العلاقات الثنائية “الإستراتيجية” بحسب وصفه بين البلدين.
وأول الأسباب كان اتخاذ موسكو قرارًا بتجنيب حدوث حمام دم في سورية مهما كان الثمن، منع انزلاق الوضع في سورية إلى حرب أهلية جديدة مدمرة، مع إطلاق المعارضة لعملية ردع العدوان التي سيطر بنهايتها على البلاد بحسب الفقري.
ثاني الأسباب بنظر المحلل السياسي تعلق بتحول الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية، وقناعتها بضرورة الحل السلمي لهذه الأزمة، فلم تستجب موسكو لطلبات الأسد باستخدام قاعدة حميميم العسكرية لتوصيل مساعدات عسكرية إيرانية لقواته بعد سقوط حلب.
أما ثالثها فإنها تتعلق بمقدرة السلطات السورية الجديدة الاستفادة من الخبرات العسكرية الروسية في بناء الجيش، وتأمين امدادات ثابتة من القمح وحتى الموارد النفطية التي تحتكرها الولايات المتحدة الامريكية في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) شرقي الفرات.
محمد الفقري، كذلك لفت إلى ضرورة الحفاظ على علاقات طيبة مع مثل هذه الدول الفاعلة وذات التأثير الإيجابي في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سورية، مع تزايد الأطماع الأمريكية والإسرائيلية، وتعنت واشنطن ورفعها للعقوبات بشكل جزئي فقط عن السلطات السورية، واستمرارها في دعم القوات الكردية الانفصالية شرقي سورية، والتي تهدّد الأمن القومي لحليفة دمشق، تركيا.