14.5 C
Damascus
الإثنين, يناير 27, 2025

رأي | كيف يمكن للوجود الروسي في سورية أن يخدم مصالح الإدارة الجديدة؟

د. محمد صادق – باحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية

لم يكد الرئيس المخلوع بشار الأسد يغادر الأراضي السورية حتى بدأت التساؤلات تخرج من هنا ومن هناك حول مصير الوجود الأجنبي في سوريا وتحديداً الروسي والإيراني، مع التركي والأمريكي.

فبعد سقوط النظام في 8 ديسمبر عام 2024 شهدت سوريا تغيرات إستراتيجية كبيرة ألقت بظلالها على دول الإقليم والعالم وبشكل خاص على الدول المتدخلة بالملف السوري بشكل مباشر.

حيث يعتقد كثير من الخبراء والمراقبين، بأن تصريحات المسؤولين السوريين الجدد ونظرائهم الروس توحي بمستقبل جيد لعلاقات البلدين كما أنها تدل على رغبة مشتركة من الطرفين باستمرار العلاقات على أساس التعاون والتفاهم والمصلحة المشتركة.

تصريحات إيجابية متبادلة بين المسؤولين الروس والسوريين

فيما يخص العلاقات الروسية السورية فإن، أول تصريح للزعيم السوري الجديد أحمد الشرع حول الموضوع في 29 ديسمبر الماضي مع “العربية”، والذي وصف خلاله العلاقات مع روسيا بأنها “استراتيجية”. مؤكداً على أهمية التعاون مع الروس، قائلاً بأن روسيا ثاني أقوى دولة في العالم ولها أهمية كبيرة.

من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريح صحفي رداً على سؤال حول نفس الموضوع: “تجدر الإشارة إلى أن القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع تحدث مؤخراً إلى بي بي سي، واصفاً العلاقات السورية مع روسيا بأنها قديمة وإستراتيجية. ونحن نتفق معه في ذلك. ولدينا الكثير من القواسم المشتركة مع أصدقائنا السوريين”.

إلى جانب، ذلك أكد الكرملين بأن الاتصالات مع المسؤولين السوريين الجدد لا تزال مستمرة، ويجري النقاش حول القواعد العسكرية الروسية في سوريا، كما أكدت الخارجية الروسية أن السفارة الروسية في دمشق تعمل كالمعتاد.

أهمية روسيا على الصعيد العسكري

فيما يتعلق بالشق العسكري، تمتلك روسيا قاعدتين في سوريا: الأولى هي قاعدة “حميميم” الواقعة في ريف محافظة اللاذقية، والثانية تقع بالقرب منها على سواحل مدينة طرطوس. وفي حين قالت موسكو قبل أسابيع إنها لم تتخذ قرارا نهائيا بشأن مصيرهما، يرى الخبراء أن المؤشرات والدلائل تذهب باتجاه “البقاء في سوريا”.

من جهته أشار لافروف في حديث لـ”سبوتنيك” بأن بلاده لم تتلق أي طلبات من دمشق بشأن مراجعة الاتفاقيات حول القواعد العسكرية الروسية، كما أن سوريا دولة ذات سيادة ولها الحق في إبرام وإنهاء الاتفاقيات مع الشركاء الأجانب، وفي الوقت نفسه، لسنا على علم بقيام سلطة سوريا الجديدة بالعمل على حصر هذه الأعمال ومراجعتها، مشدداً على أن “نشر القواعد الروسية في سوريا، منصوص عليه في المعاهدات الدولية القائمة والمبرمة، وفقا لقواعد القانون الدولي”.

وتعليقاً على ذلك، قال الخبير العسكري تركي الحسن في تصريح صحفي بأنه من الضروري أن تكون هناك علاقة جيدة بين روسيا وسوريا. موضحاً بأن التعاون العسكري السوري مع موسكو يسبق نظام الأسد، مذكراً بأنه تقريباً كل المعدات وأنظمة الأسلحة التي يستخدمها الجيش السوري اليوم، هي من إنتاج الاتحاد السوفييتي أو روسيا. وفي الفترة من 1956 إلى 1991، حصلت سوريا على نحو 5000 دبابة و1200 طائرة مقاتلة و70 سفينة والعديد من الأسلحة الأخرى من موسكو، بقيمة إجمالية تزيد عن 26 مليار دولار. ولم يُسدد سوى نصف سعرها.

وأشار الحسن، بأن إعادة بناء الجيش لسوريا الجديدة سوف تتطلب إما إعادة تسليح كاملة أو الاعتماد المستمر على الإمدادات الروسية، وهو ما يتطلب علاقات جيدة بين البلدين.

في سياق متصل، أكد الباحث والخبير العسكري عبد الغني أسعد، بأن روسيا دولة عظمى وذات ثقل سياسي وعسكري كبير في المنطقة. مشيراً إلى أنه يمكن للحكومة المؤقتة الاستفادة من خبرات الروس في إعادة بناء الجيش السوري وفي صفقات السلاح وخاصة بعد أن دمّرت إسرائيل حليفة واشنطن كل إمكانيات الجيش السوري، واحتلت أراضي سورية.

كما يمكن الاستفادة من النفوذ الروسي استراتيجياً بالحفاظ على التوازن الدولي في سوريا خاصة بوجود دول ذات وزن كبير كواشنطن وتركيا وغيرهم.

الأهمية السياسية للوجود الروسي

كما أضاف أسعد، بأن موسكو تعتبر حليف موثوق يمكن التعاون معه والاستفادة منه. كما أنها أبدت استعدادً واضحاً للتواصل مع المعارضة السورية وصياغة تفاهمات مشتركة. كما أن موسكو لم تحتل أراضي سورية وليس لها مطامع توسعية، كما فعلت واشنطن وإسرائيل.

ونبّه أسعد إلى أهمية التقارب الروسي التركي ودورهم الهام المشترك، فهما لعبا دوراً أساسياً فاعلاً في الملف السوري، ويمكن لتركيا أن تحتاج روسيا بالفترة المقبلة أكثر من حاجتها لواشنطن في الملف السوري تحديداً. مؤكداً على أن روسيا وسيط مهم للتفاوض بين القيادة السورية الجديدة وتركيا من جهة، والأكراد من جهة أخرى، بما يحفظ حقوق الجميع، فهي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل هذه الأطراف.

وبحسب أسعد فإن السياسة الأمريكية في سوريا قائمة على المصلحة البحتة بغض النظر عن أمن أو استقرار الشعب السوري ووحدة سوريا، وأيضاً بغض النظر عن مصالح الدول الإقليمية وهذا ما يهدد مستقبل الحكومة الجديدة ومصالح تركيا وغيرهم.

وعبر أسعد عن تفاؤله بالمرحلة المقبلة مؤكداً أن الادارة السورية الجديدة اذا استمرت بسياسة التعاون مع الدول الفاعلة بالملف السوري فسوف يكون مستقبل السوريين أكثر أمناً وازدهاراً.

الأهمية الاجتماعية والاقتصادية

بدوره قال البطريرك السرياني الأرثوذكسي أغناطيوس أفرام في تصريحات صحفية: “نرحب بالروس هنا للحفاظ على قوة دولتنا، والحفاظ على قوة جيشنا”.

وبينما تشير استطلاعات الرأي بأن معظم السوريون يأملون بأن تتوقف الأعمال العدائية، فإن نسبة كبيرة منهم تعتقد أن استمرار الوجود الروسي قد يساعد في الحفاظ على السلام في بلادهم.

من جهته أشار أحد قياديي المعارضة السورية المسلحة بريف دمشق ويدعى أحمد طه، إلى أنه من الضروري أن يفكر القادة المؤقتون الجدد في سوريا بشكل استراتيجي في العلاقة المستقبلية لسوريا مع موسكو
وعلى الصعيد الاقتصادي، فقد أكد الخبير الاقتصادي عبدلله السمراني، بأنه لايعتقد أبداً بأن روسيا ستخرج كليا من سوريا اقتصاديا أو عسكريا، وهنالك تواصل جيد بين الروس والإدارة الجديدة.

كما أن كلا الطرفين منفتحين على النقاش وإعادة التفاوض، بخصوص تطوير العلاقة والامتيازات الاقتصادية ومجالات الدعم الممكنة.

وأشار السمراني، بأن الإدارة الجديدة وبعد إنهاءها لعقد الشركة الروسية المستثمرة لمرفأ طرطوس تسعى فقط لتعزيز وضعها المالي والاقتصادي، عبر وضع يدها على القطاعات والمنشآت الاقتصادية المدرة للربح، بالإضافة لرغبتها بتوظيف الامتيازات الاقتصادية والقطاعات الرابحة كساحة تفاوضية وأداة لنسج شبكة مصالح مع دول أو شركات كبيرة مهتمة بهذه القطاعات.

ولا يعتقد الباحث السمراني أن هناك مصلحة للإدارة الجديدة، بمقاطعة الروس، بل على العكس يُلاحظ بأن الإدارة الجديدة “مهتمة بتحويل سوريا لساحة تشابك إيجابي بين هذه الدول.

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار