وحسب مصدر خاص لوكالة “سنا” من داخل مدينة منبج فإن الإضراب شارك به أكثر من تسعين بالمئة من الفعاليات التجارية والاقتصادية في المدينة، رغم محاولات ميليشيا “قسد” ثني التجار عن قرارهم بالوعود تارة وتحت التهديد تارة أخرى.
وأوضح المصدر أن الإضراب جاء تعبيراً عن رفض أهالي مدينة منبج لانتهاكات ميليشيا “قسد” والسياسة التي تتبعها في إدارة المنطقة، والتضييق غير المبرر على أبنائها.
ويقول الصحفي المنحدر من مدينة منبج حامد العلي إن الأسباب المباشرة للإضراب تتمثل بفرض ميليشيا “قسد” ضرائب كبيرة على البضائع الواردة إلى المنطقة، واحتكارها لتجارة المواد الأساسية وتحكمها بأسعارها.
وفي حديث لوكالة “سنا” يضرب العلي مثالاً على تجارة الحديد التي يحتكرها شخص مقرب من “قسد” ينحدر من القامشلي يدعى “الطلحو”، كما يحتكر شخص آخر تجارة الإسمنت ويبيع الطن بـ140 دولار على الرغم من أن سعره 60 دولاراً في باقي مناطق الشمال السوري.
يضاف إلى ذلك منع الميليشيات أهالي المدينة من إخراج المحاصيل الزراعية إلى خارج مناطق سيطرة “قسد” وتحديداً إلى ريف حلب الواقع تحت سيطرة الجيش الوطني، وفي حال تم السماح بذلك فإن “المكاتب الاقتصادية” تفرض رسوماً كبيرة عليها، وهو ما يمنع الفلاح من تصريف محصوله.
عين ميليشيا “قسد” على مكاتب الصرافة في منبج
أصدرت ميليشيا “قسد” قراراً بفرض مبالغ كبيرة تبدأ بـ20 ألفاً وتصل إلى 75 ألف دولار على كل مكتب صرافة يعمل في مدينة منبج، تحت مسمى “تأمين” وذلك على حسب حجم التبادل.
كما قررت الميليشيات فرض ضريبة على أصحاب محال بيع الذهب، قيمتها 600 دولار على كل كيلو يتم عرضه، إضافة إلى مطالبتهم بالترخيص لديها ودفع مبلغ يتراوح بين 3 آلاف و7 آلاف دولار حسب كل محل.
وبحسب مصادر وكالة “سنا” في منبج فإن عدد مكاتب الصرافة في المدينة يقدر بنحو 100 مكتب، تقع معظمها في السوق الرئيسي، وجانب الجامع الكبير، وفي سنتر الشهباء، وجميعها كانت تعمل بشكل طبيعي قبيل صدور قرار “قسد”.
وتشير المصادر إلى أن الميليشيات طالبت أصحاب المكاتب بمراجعة “مكتب النقد والمدفوعات” التابع لما يسمى بـ”الإدارة الذاتية” لتسديد ما يترتب عليهم من مبالغ، على الرغم من أن “قسد” لا توفر أي خدمات لشركات الصرافة كالحماية أو استبدال المبالغ التالفة وغيرها.
وترى مصادر “سنا” أن هذا القرار هدفه دفع أصحاب المكاتب إلى إغلاقها، تمهيداً لافتتاح ميليشيا “قسد” شركة خاصة بها، حيث يجري الحديث عن وجود خطة لإنشاء مركز في مبنى الصيدلية المركزية الذي يجري ترميمه ليكون بديلاً عن كل المكاتب.
وفي حال نجحت ميليشيا “قسد” بذلك، فإنها ستنفرد بسوق الصرافة والحوالات في منبج، وستتحكم بتسعيرة الصرف، كما أنها ستراقب جميع الحوالات الواردة والصادرة ومعرفة الجهة المرسلة والمستلمة لها، ما يعني مزيداً من التضييق والقبضة الأمنية.
أبعد من تضييق اقتصادي
شهدت مدينة منبج خلال الأعوام الماضية العديد من الإضرابات والاحتجاجات الشعبية المناهضة لميليشيا “قسد”، والتي تطورت بعضها إلى مواجهات أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين.
وكان القاسم المشترك بين تلك التحركات الشعبية هو التنديد بالانتهاكات التي تمارسها ميليشيا “قسد” بحق أهالي المدينة، حتى وإن بدا ظاهر الأمر أن أسباب الاحتجاجات معيشية أو خدمية أو غيرها.
ويعتبر موضوع فرض التجنيد الإجباري على أبناء المدينة من أكثر الملفات التي يتحفظ عليها الأهالي ويرفضونها، خاصة أن إصرار ميليشيا “قسد” يدفع الشبان إلى ترك المنطقة والهجرة ما يعني إفراع منبج من أبنائها.
كما يضاف إلى ذلك سياسة التمييز بين هذه المدينة وباقي مناطق سيطرة ميليشيا “قسد”، فعلى الرغم من سيطرة الأخيرة على كامل حقول النفط في سورية، إلا أن مدينة منبج لم تستلم مخصصاتها من وقود التدفئة حتى الآن.
ومما يثير حفيظة الأهالي فرض ميليشيا “قسد” المناهج الكردية على مدارس المدينة العربية، إضافة إلى حملات المداهمة والاعتقال التي لا تتوقف بذرائع مختلفة كالتخابر مع الجيش الوطني أو “داعش”.
وأيضاً ما يقلق الأهالي ويشكل هاجساً مستمراً لهم هو تهديد ميليشيا “قسد” بين الحين والآخر بتسليم المدينة إلى نظام الأسد الذي أدخلته إلى المنطقة أواخر عام 2019 عقب عملية “نبع السلام”.
الجدير بالذكر أن أهالي مدينة منبج توعدوا بالتصعيد والبدء في عصيان مدني إذا ما تم التراجع عن تلك القرارات، ليلقوا بذلك الكرة بملعب ميليشيا “قسد” التي ستحدد ما ستخبر به الأيام القليلة القادمة.