فادي شباط – وكالة سنا
منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، غاب التمثيل الحقيقي للشباب عن كافة المحافل السياسية، وإحدى الظواهر التي يعاني منها المجتمع السوري الجديد، ادعاء كثير من الأجسام السياسية الناشئة تمثيلها للشباب الثائر دون اعتماد الوسائل المشروعة لذلك، كما لم يعد خافياً على أحد من “أبناء التفاصيل”، أن القوى الحاضرة غالباً ما تستخدم فئة الشباب في خطابها الدوري للدعاية والإعلان وتحقيق المكاسب الخاصة، لا أكثر.
تُشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن أعداد الشباب في الجيل الحالي تفوق أي عدد مضى عبر التاريخ، وعلى الرغم من هذه الإحصائية ومن العدد الكبير للشباب والزيادة المستمرة فيه، إلّا أنّ نسبتهم مستمرّة في التناقص مع زيادة نسبة كبار السن حول العالم، لكن ما زال المجتمع السوري فتياً، حيث تصل فيه نسبة الشباب إلى درجات عالية، وللمناطق المحررة نصيب وافر من ذلك، إذ التحق كثير من الشبان في صفوف الثورة منذ انطلاقها، رافضين الحياة في ظل نظام مجرم لا يراهم إلا سلعة تجارية استثمارية رابحة، ومن كان طفلاً في بداية الثورة، أصبح اليوم شاباً يافعاً قادراً على إدراك ما يدور حوله من تحولات ومتغيرات بموضوعية ومنطقية بعيداً عن إرث الشعارات “الطنانة الرنانة”.
رغم تفاوت رؤى المجتمعات للشباب من بيئةٍ إلى أُخرى، إلّا أنها تلتقي وتشترك بضرورة دعمهم وتدريبهم وتمكينهم وصقلهم للوصول إلى تنميتهم التي تؤدي بالضرورة إلى تحقيق تنمية مجتمعية شاملة وفعالة، ويُعد ذلك سهلاً في واقعنا، فالشباب السوري أثبت صموده -وما زال- أمام كافة الظروف المآساوية المحيطة، إنطلاقاً من مراحل الحصار التي حُرموا فيها من التعليم وممارسة المواهب، وصولاً إلى التهجير والمخيمات، حيث دخل أكثرهم مرحلة النضوج، واتّسم بالاعتدال والوسطية، نابذاً التطرف والتفلّت.
وعلى مر السنين والعصور كان للشباب دور كبير في تنمية ورقي المجتمعات، عبر المشاركة بقضايا الرأي العام ومناصرة القضايا العادلة والفئات المهمشة، والتطوع في فرق المجتمع المدني، وممارسة الأنشطة التعاونية، والمساهمة في المشاريع الخدمية، والتخطيط للحفاظ على البيئة المحلية، والمساهمة في جمع التبرعات، ونشر الوعي، وتعزيز الجوانب الثقافية، والحفاظ على الهوية الوطنية والقومية، والدفاع عن الوطن بكافة الوسائل المتاحة.
وإذا ما دققنا سنجد بأن الشباب السوري مارس كل تلك التجارب أو ما شابهها، ابتداءً برفع شعار “الشعب يريد اسقاط النظام”، وصولاً إلى “راجعين من دون الأسد”، وما بينهما الكثير والكثير، فنحن هنا أمام شباب مميز، يمتاز بالتطلع نحو الحرية والعدالة والديمقراطية، ويمتلك الحماس والشجاعة والجرأة والتحدي والابتكار وسرعة الإنجاز، ويجهد لتحقيق طموحه رغم الحواجز، ويعلم بأنه عماد التقدم ومستقبل الدول، والسبيل إلى نهضة المجتمعات.
فيما يبدو ما زال أصحاب القرار غير واعين لتلك الصفات المميزة، وحتى الآن لم يدركوا بأن الشباب هم العمود الفقري الذي لا يمكن الاستغناء عنه في عملية تنمية المجتمع، كونهم يُعبرون عن خصائص تتمثل أساساً في القوة والحيوية والطاقة والإنتاج.
بناء على ما سبق، يجب على أصحاب القرار استقطاب طاقات الشباب وتوظيفها بالشكل الأصح، والمساهمة في تأسيس مجموعات شبابية مختلفة، وتقديم كافة أشكال الدعم والتسهيلات لها، وتمكينها بالوسائل والأدوات اللازمة، وتوفير الفرص وتوزيعها بشكل عادل، والاستفادة من تجاربها في كافة المناحي، باعتبارها القوة الاجتماعية الهائلة أولاً، وثانياً الأكثر تأثيراً ونشاطاً، والأسرع تقبلاً للتغيير، والأكثر استعداداً للتعامل مع الطارئ، والأقدر على إحداث التغيير، وأساس الإنماء والتطوير، وبناة المجد والحضارة، وخط الدفاع الأول والأخير، وسرّ من أبرز أسرار النهضة.
وفي الجانب الأخر يستمر الشباب باستثمار طاقاته وجهوده في خدمة المجتمع والنهوض به، وكثير منهم يحرص على عدم تبديد طاقاتهم بما لا ينفعهم من مظاهر لهو ولعب تضر بهم وبمجتمعهم، ويبتعد عن رفقاء السوء ومُفسدي الأخلاق، ويستمر بالتحلي بالأمل والتفاؤل، كما يسعى إلى نبذ التقاعس وصنع الفرص، ويقدم مزيداً من المبادرات، وينظم عديداً من الحملات، فالشباب السوري أدرك بأن الشباب الناجح هو من يسعى لإحداث التغيير الذي يرغب بأن يراه في المجتمع، وأن يكون أبرز الشركاء به.