12.4 C
Damascus
السبت, نوفمبر 23, 2024

سورية.. الطاقة المتجددة والابتكار مرهون بالاستقرار  

قحطان الشرقي – صحافي وكاتب سوري

 

قد لا تكون ثروات سورية المكتشفة من النفط والغاز منافسة للدول المنتجة للنفط، كما أن الدراسات الحالية والسابقة لم تكشف عن ثروات “نفطية” جديدة أو تتغير الأرقام حول الكميات السابقة من النفط والغاز في الحقول المكتشفة، باستثناء احتياطات الغاز السوري في حوض المتوسط الذي لا يزال الحديث عنه غير واضح، غير أن أهمية سورية تكمن في موقعها الجغرافي بين القارات الثلاث والذي يعتبر ممراً حيوياً “براً وبحراً” من وإلى القارات.

 

الجغرافيا السياسية لسورية في خريطة النفط والغاز

يشكل الاحتياطي النفطي المؤكد 0.15% من الاحتياطي العالمي فقط، و0.33% نسبة إلى الاحتياطات المؤكدة في الشرق الأوسط.

في المقابل، فإن حجم الإنتاج من الغاز الطبيعي في سورية شكّل أقل من 1 بالألف (0.071%) من إنتاج الغاز في العالم، و0.4% فقط من إنتاج الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط. وبلغ حجم الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي 0.14% فقط من احتياط الغاز المؤكد في العالم، و0.35% بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط (أوبك)، وبالمقارنة مع ما هو متوافر في العراق وإيران ودول الخليج العربي، لا يمكن القول إن النفط والغاز في سورية أثار مخاوف الدول القلقة لتكون فاعلًا في الحرب السورية.

تجدر الإشارة الى أن التحول في مجال الطاقة هو تحول مجتمعي في الاستهلاك من شكل سائد واحد للطاقة إلى شكل آخر. في الوقت الحالي، يرتبط المصطلح بشكل عام بالانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى استخدام الطاقة النظيفة المتجددة.

 

التحول نحو الطاقة المتجددة: ضرورة أم خيار؟

استضافت سورية المؤتمر الإقليمي لدول الشرق الاوسط وشمال إفريقيا حول الطاقات المتجددة (MENAREC 4) الذي عقد في 21-22 حزيران/يوينو2007 وتنظم هذا المؤتمر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (اسكوا) بالتعاون مع وزارة الكهرباء السورية ممثلة بالمركز الوطني لبحوث الطاقة، والمكتب الإقليمي لغرب آسيا في برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). 

كان هدف المؤتمر دعم التعاون بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ناحية وبين دول الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى لتطوير ونقل تكنولوجيات الطاقات المتجددة إلى المنطقة إضافة إلى تقييم الوضع الحالي منذ انعقاد المؤتمر العالمي للطاقات المتجددة في بون عام 2004.

شارك في المؤتمر عدة دول عربية ودولية وشارك في المؤتمر ممثلو منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالطاقة المتجددة. كما شارك فيه خبراء دوليون من دول الاتحاد الأوروبي والهند وأمريكا وكندا وألمانيا بالإضافة الخبراء المعنيين من “اسكوا” وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ونقاط الارتكاز الوطنية للآلية الإقليمية لتطوير استخدام الطاقة من أجل التنمية المستدامة.

 ناقش المؤتمر أوراقاً إقليمية ودولية قدمها ممثلو منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية لعرض الخبرات والبرامج وآليات التمويل والتشريعات بهذا الخصوص (الاسكوا)، وما زالت جهود دول المنطقة قليلة ومتفاوتة لحصر وتقييم واستخدام مصادر الطاقة المتجددة لديها.

 

الطاقة الشمسية: مصدر واعد في سورية

 ولقد انتشر في بعض دول المنطقة العديد من تطبيقات الطاقة المتجددة كالتسخين الشمسي لمياه الاستخدام المنزلي ومزارع الرياح وتطبيقات مختلفة للطاقة الشمسية الكهرضوئية، إلا أنه ما زالت الحاجة ماسة لتنمية استخدامات مصادر الطاقة المتجددة وتطبيقاتها في هذه المنطقة. 

ولمواجهة التحديات التي تعترض تحقيق التنمية المستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هناك حاجة لتسريع ونشر استخدام تقنيات الطاقة المتجددة وترشيد وكفاءة استخدام الطاقة إضافة إلى تشجيع التعاون الثنائي والإقليمي. 

ويتطلب ذلك تطوير واعتماد سياسات وأطر تساعد على نشر استخدام تقنيات الطاقة المتجددة المناسبة في هذه المنطقة، وتشجيع برامج البحث العلمي والتطوير، ونقل تكنولوجيا الطاقات المتجددة المناسبة مع التأكيد على الرغبة السياسية لذلك، مما يسمح بالاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة ويضع المنطقة في الاتجاه الصحيح لتحقيق مستقبل طاقة نظيفة ومستدامة. 

تعتبر الطاقة الشمسية واحدة من المصادر الأكثر وفرة في سورية، إذ تتمتع البلاد بمعدل سطوع شمسي عالٍ، مما يعزز إمكانية استخدام الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء. هذا النوع من الطاقة لا يقتصر فقط على توليد الكهرباء، بل يمكن استخدامه أيضًا في التدفئة الشمسية، مما يقلل الاعتماد على الوقود التقليدي. ومن الفوائد الإضافية للطاقة الشمسية أنها تسهم في تقليل انبعاثات الكربون، مما يحسن من جودة الهواء.

 

إمكانات طاقة الرياح في المناطق الساحلية والجبلية

أما طاقة الرياح، فهي تمثل نوعًا آخر من مصادر الطاقة المتجددة التي يمكن استغلالها في المناطق الساحلية ومرتفعات السلسلة الجبلية. تتميز سورية بتوفر الرياح القوية والكافية لتوليد الطاقة، مما يمثل فرصة كبيرة لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية. استخدام توربينات الرياح يمكن أن يساهم بشكل كبير في زيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، مما يعزز من الاستدامة الاقتصادية.

 

دور السدود والطاقة الكهرومائية في استدامة الطاقة

من ناحية أخرى، تعد الطاقة الكهرومائية من المصادر التقليدية للطاقة النظيفة، والتي تعتمد على تدفق المياه لتوليد الطاقة. يمتلك مشروع السدود في سورية إمكانية كبيرة للاستفادة من الأنهار، مثل نهر الفرات. إن تطوير هذه المشاريع يمكن أن يوفر طاقة نظيفة وأكثر ثباتًا، فضلاً عن إمكانية زيادة استدامة الزراعة من خلال توفير الماء اللازم.

 

الطاقة المتجددة في المناطق المحررة: تجربة ناجحة رغم الظروف

لا بد من الإشارة أيضاً أن المناطق المحررة، شهدت تحولاً كبيراً في استخدام الطاقة الشمسية نظراً لغلاء أسعار الوقود في توليد الكهرباء.

وقدمت منظمات كثيرة دعماً في تركيب الطاقة الشمسية لاستخدامها في ضخ المياه والإنارة وهو بديل اضطر إليه السكان وأثبت أنه حل جذري يمكن أن يعم كل سورية لو استثمرت هذه الطاقة بالشكل الصحيح وتوفرت لها عوامل الاستدامة والبنية التحتية.

 

التحديات التي تواجه الطاقة المتجددة في سورية

يواجه قطاع الطاقة المتجددة في سورية مجموعة من التحديات الكبيرة التي تعيق تقدمه وتطويره. أحد أبرز هذه التحديات يتمثل  في عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد. 

إن النزاعات المستمرة وتغير الأوضاع الأمنية تعيق خطط الاستثمار وتؤدي إلى عدم قدرة المستثمرين على المخاطرة بأموالهم في مشاريع قد تكون معرضة للخطر. إن الاستقرار يعتبر من الشروط الأساسية لجذب الاستثمار في أي قطاع، وخاصة في القطاعات التي تتطلب استثماراً كبيراً مثل الطاقة المتجددة التي تعتبر البوابة المثالية نحو المستقبل 

كما أن نقص البنية التحتية اللازمة لاستغلال مصادر الطاقة المتجددة يعد تحدياً آخراً ملحوظاً. يتطلب تطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وجود بنية تحتية متكاملة تشمل الشبكات الكهربائية والتخزين ونقاط الاتصال. ومع تضرر البنية التحتية في البلاد نتيجة النزاع المستمر، فإنه يصبح من الصعب تحقيق نتائج مثلى في هذا المجال.

 

ختام واستشراف: نحو استدامة بيئية واقتصادية

إن مستقبل الطاقة المتجددة في سورية يبدو واعدًا، ولكن يتطلب مواجهة تحديات عديدة. من بين تلك التحديات، عامل الاستقرار المفقود منذ سنوات، كما تعتبر البنية التحتية الحالية والقوانين والتشريعات غير المرنة عوائق رئيسية أمام التوسع في استخدام الطاقة المتجددة. ومع ذلك، يمكن التغلب على هذه العقبات من خلال تطوير إستراتيجيات فعالة للاعتماد على مصادر طاقة بديلة، مما يسهل عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

 توفر المواقع الجغرافية المتنوعة في البلاد والمناخ الملائم فرصًا فريدة للاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يتطلب استثمارًا مستدامًا وشراكات فعالة مرهونة بالاستقرار وإعادة الاعمار.

الانتقال إلى الطاقة المتجددة لا يتم فقط عن طريق تحسين التقنيات، بل يتطلب أيضًا رفع الوعي العام بأهمية هذه المصادر في تحسين الحياة اليومية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. 

من الضروري أن تكون هناك سياسات تشجع على التوجه نحو الطاقة المستدامة، بما في ذلك حوافز للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، وتعليم المجتمع الفوائد البيئية والاقتصادية الناتجة عنها.

في الختام، إن طموحات السوريين في مجال الطاقة المتجددة واستثمار هذه الثروات النظيفة يشكل ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة والتحول نحو الطاقة المتجددة والنظيفة والصديقة للبيئة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية العادلة التي تفتقدها سورية منذ سنوات طويلة.

كما أن الأوضاع في سورية فرضت على السوريين خيار التحول المؤقت والناجح نحو هذه الطاقة مستفيدين من هذه الأوضاع التي أعطت فرصة لتجربة فريدة على نطاق ضيق لكنها أثبتت نجاحها، ويمكنها أن تكون تجربة مستدامة في المستقبل والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة ونقل تلك التجارب والخبرات إلى سورية.

هذا التحول ليس مجرد خيار بديل، بل هو ضرورة ملحة لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار