مقال رأي | عبدالرحيم التاجوري
الباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
مرّت أسابيع على سقوط النظام السوري، وانتهت فترة صعبة عاشها السوريون. تحاول الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، فرض سيطرتها على الشمال والشمال الشرقي من البلاد، اللذين يقعان تحت حكم الإدارة الذاتية التي أنشأتها وحدات حماية الشعب الكردية، المنضوية تحت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
على الرغم من استمرار المفاوضات بين قسد ودمشق، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى تجنب أي عمليات عسكرية في الشمال. ومع ذلك، تواصل فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا استهداف مواقع قسد في منطقة سد تشرين، التي تُعدّ نقطة استراتيجية لقطع الطريق إلى مدينة عين العرب (كوباني) وفتح الأبواب نحو مدينة الرقة.
ورغم استمرار هجمات الفصائل المسلحة، فإنها لم تحقق أي انتصارات حقيقية، على الرغم من مرور أكثر من أربعين يومًا على انطلاقها. في المقابل، أكدت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في بيان رسمي، أنها مستعدة “للقتال بحماس أكبر مما فعلته ضد تنظيم داعش قبل عشر سنوات”، إذا قررت تركيا شنّ عملية عسكرية في المدينة الواقعة بريف حلب.
من جانبها، جددت تركيا، في عدة مناسبات، رفضها لأي وجود للميليشيات الكردية على حدودها الجنوبية، إذ ترى أنقرة أن وحدات حماية الشعب الكردية امتدادٌ لحزب العمال الكردستاني، وتصنفها ضمن الجماعات الإرهابية التي تشكل تهديدًا لأمنها القومي. كما أعاد وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، التأكيد على دعوته “وحدات حماية الشعب” الكردية إلى التخلي عن أسلحتها.
تأسست “الإدارة الذاتية” في الأصل بهدف مكافحة تنظيم داعش واستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها. وفي عام 2016، وسّعت هذه الإدارة نطاق عملها وأعلنت نظامًا فيدراليًا للمناطق التي تخضع لسيطرتها، والتي تغطي نحو 25% من مساحة سوريا. وقد حصلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على دعم مالي وعسكري مباشر من الولايات المتحدة، مما جعلها شريكًا محليًا رئيسيًا للقوات الأمريكية في جهود مكافحة داعش.
ومع تصاعد التوترات بين تركيا وقسد، وفي ظل تكثيف القوات التركية حشودها على الحدود السورية، أرسلت طائرة شحن أمريكية دفعات من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة إلى قاعدة “خراب الجير” في شمال شرق سوريا. بالإضافة إلى ذلك، أرسل التحالف الدولي لمحاربة داعش 27 شاحنة محملة بالمعدات والأسلحة إلى قاعدة “قسرك” في ريف الحسكة الغربي، الذي يقع ضمن نطاق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية.
في الوقت ذاته، أثارت تصريحات قائد “قسد” مظلوم عبدي، حول امتلاك قواته طائرات مسيّرة، تساؤلاتٍ حول احتمال انخراط خبراء أمريكيين وبريطانيين، وربما آخرين، في تدريب مقاتلي “قسد” على استخدامها. وهذا التطور يعكس شكلًا جديدًا من الدعم العسكري والاستخباراتي الذي تتلقاه هذه القوات في صراعها ضد الفصائل المدعومة من تركيا.
من جهتها، ذكرت صحيفة “أيدينليك” التركية، في تقريرها الأخير، أن هناك دعمًا استخباراتيًا بريطانيًا لقوات قسد في سوريا. وأكدت الصحيفة هذا الادعاء بعد الهجوم الذي شنّته قسد على عناصر من “الجيش الوطني” في ريف حلب، حيث أُسر عدد من الجنود، من بينهم جنديان تركيان.
كما أشارت الصحيفة إلى حادثة أثارت جدلًا على وسائل التواصل الاجتماعي، تمثلت في ظهور كريستوفر لي، النائب الأول لقائد شركة “Aegis Forces” العسكرية البريطانية الخاصة، في مدينة أربيل، حيث تزامن ظهوره مع زيارة قائد “قسد” مظلوم عبدي إلى أربيل ولقائه برئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني.
وأوضحت الصحيفة أن بريطانيا، التي ساهمت سابقًا في إفشال محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تحاول اليوم نيل حصتها من “الكعكة السورية”، ومجاراة الأمريكيين في السيطرة على منابع الطاقة والنفط. وبالتالي، فإن لندن، بدعمها العسكري والاستخباري للقوات الكردية، العدو اللدود لأردوغان، تغامر بإفساد علاقتها الطيبة مع أنقرة.
وفي إطار المساعي التركية لحل القضية الكردية، زار رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، دمشق، حيث التقى أحمد الشرع ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، أسعد الشيباني. وتفيد معلومات بأن الهدف الرئيسي من اللقاء كان تسريع المحادثات مع “قسد”، توازيًا مع بحث إمكانية شنّ عملية عسكرية مشتركة ضدها، في حال فشل المسار الدبلوماسي.
وبحسب بعض المحللين، كانت تركيا تأمل في استغلال التطورات السريعة في سوريا، قبل سقوط نظام الأسد، لتحقيق انتصار سريع وإنهاء القضية الكردية بالقوة. إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث واجهت أنقرة محورًا قويًا متحالفًا مع الأكراد، الذين يقاومون بشراسة ويتصدّون للفصائل السورية المدعومة من تركيا، مما أعاق تقدّمها.