ليس عنواناً لفيلم رعب ولا كتاب أو رواية عن حقبة تاريخية ولا فانتازيا تخيلية بل هذا أقل ما يمكن أن توصف به خطوة نظام الأسد العبثية هذه، والتي سيعيش معها السوريون فصلاً جديداً من فصول القهر الذي يصرّ عليه النظام تحت عنوان “انتخابات رئاسة الجمهورية”.
ألم يستخدم النظام منذ عشرات السنوات مصطلح تجديد البيعة حتى قبل داعش بكثير لوصف احتفالات إعادة جلوسه على عرش الحكم الانقلابي في عهدي الأب والابن؟
ألم يرث بشار الحكم عن أبيه بمراسم بائسة أبعد ما تكون عن الجمهورية والديمقراطية؟
وألم يكن الرعب والموت والدمار والتوحش هي سمات هذا النظام بل هي أدواته وركائز حكمه؟
يوغل النظام عبر هذه الانتخابات أكثر فأكثر في قهر السوريين فهو سيسوق ذوي الضحايا والمفقودين إلى صناديق اقتراعه ليجبرهم على التصويت لرأس النظام تحت تهديد حياة بقية الأسرة، أي مشهد أكثر قسوة وقهراً من هذا المشهد؟!
سيسوق الجياع المتعبين الرازحين تحت نير حرابه وعزلته والعقوبات الاقتصادية الدولية التي يعكسها عليهم، ويرغمهم للهتاف بحياته التي تعني استمرارها استمرار الموت والألم والتشرد وتوديع الأحبة ومزيداً من القهر والذل والهوان.
يأتي فصل المأساة السورية الجديد هذا بعد أن نفذ النظام في العام الماضي انتخابات الاصطفاء الذاتي ضمن صفوفه لمجلس تصفيقه الذي دعمه بمزيد من الشبيحة واللصوص والمهرجين ليكون كياناً أكثر تجانساً وقد تم التأكد من خلو المجلس من أي من أصحاب توجه الثورة والتغيير لأنهم قوم يتطهرون، ولا مكان لهم في مجتمعه المتجانس فعمل على إخراجهم من قريته بالقتل أو التهجير أو الاعتقال الذي ينتهي إليه مصير كل صوت معارض.
ويأتي أيضاً في حين ينتظر السوريون الخلاص والنهاية لدرب الآلام الذي لا يزالون يسلكونه مع هذا النظام منذ نصف قرن، وقدموا خلاله ملايين الضحايا شهداء ومعتقلين ومفقودين وجرحى وملايين من المهجّرين، النازحين واللاجئين.
كما يأتي في وقت تعلل البعض بأمل المسير في تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي حدد طريق الخروج من النفق الطويل عبر هيئة حكم ثم دستور تليها انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، فإذن نحن أمام مسار دستوري معطل وبلا أفق ولا جدول زمني ولا جدية تذكر، بل وأمام انتخابات أحادية الطرف ينظمها النظام ويشرف عليها حلفاؤه وشركاؤه في الجريمة، ضاربين بعرض الحائط مسارات وسيناريوهات الحل الذي يبدو بعيداً.
أية انتخابات تلك التي يردد فيها كافة الذين كلفتهم أجهزة أمن النظام بالترشح نفس العبارات تقريباً، (نحن نشارك لنثبت ديمقراطية هذا النظام) ويرفعون صور الطاغية ويعلنون تأييده، أي مضحك مبكٍ آلت إليه سورية موطن الحضارات وهي السباقة في محيطها في كل شيء لكنها اليوم في ذيل الديمقراطية التي وصلت إلى مجاهل أفريقيا وغابت عن دمشق أقدم عاصمة في الدنيا.
وهل يستطيع من يقع عليه الخيار للترشح ويكلف بالمهمة إلا أن ينفذ وهو يعلم حق اليقين مصير من يختلف مع النظام ولو في كلمة واحدة بل وعليه أن يلتزم حرفياً بالدور وألا يخرج عن النص.
أية انتخابات تلك التي ستجري وأكثر من 40 بالمائة من جغرافية سورية خارج سيطرة النظام والبقية تأنّ تحت قبضة ميليشياته وعصاباته!
وأية انتخابات تلك التي ستجري وأكثر من 13 مليون مهجّر بين نازح ولاجئ!
أية مصداقية لانتخابات يجريها النظام الذي صمم دستوره في العام 2012 وقانون انتخاباته في العام 2014 وتعديله لقانون الأحوال المدنية بحيث يحرم معظم السوريين من المشاركة في هذا الحق السياسي الأساسي.
أية مصداقية لانتخابات يترشح فيها رأس النظام الذي أصدر الأوامر لقتل السوريين بكل الأسلحة وصولاً للكيمائية والذي وثقت آليات حقوق الإنسان الأممية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المسؤول عنها.
أية مصداقية لانتخابات في ظل احتلالات متعددة استجلبها النظام لإنقاذه من ثورة الشعب، وفي ظل ميليشيات طائفية تسرح وتمرح وتنشر الموت والحبوب المخدرة على طول البلاد وعرضها.
ثم أين هي تلك البيئة الآمنة والمحايدة والرقابة والإشراف الأممي التي نص عليها قرار مجلس الأمن، ولا ننسى دور مجلس الشعب المشوّه والسياق الحالي للعملية الانتخابية الذي ينسف من ألفه إلى يائه أية مصداقية وأياً من معايير الانتخابات المتعارف عليها شرقاً وغرباً.
أسباب كثيرة أخرى لا تخفى على أحد تجعل هذه الانتخابات بلا أدنى مصداقية وشرعية، وتجعل منها عملية عبثية معناها المزيد من الهروب للأمام والانفصال عن الواقع ومزيد من الغرق والتمزق لأرض وسيادة الوطن المستباح.
يظن بشار الأسد أنه يستطيع أن يتخلص من تبعات شعار بقائه “الأسد أو نحرق البلد” ويعتقد أنه يستطيع الفوز بهذا البلد الذي أحرقه.
لكنه وحلفاءه يتناسون أن الثمن قد دفع، وأن البلاد التي احترقت قد أحرقته معها لتتخلص منه وقد اهترأ إلى حد لم يعد قابلاً للاستعمال من جديد، أما البلاد التي أحرقها فجذورها الحية ستنبت حرية وكرامة وإرادة حياة وأمل بالمستقبل فسورية تمرض لكن يموت أعداؤها.
وهي تنتظر أن يزهر ربيعها انتخابات يتنافس فيها المخلصون من أبنائها لخدمتها يحملون برامج بناء المستقبل الحر الكريم، سورية بلا إخفاء ولا فروع خوف ولا مجالس تصفيق.
قاسيون ـ عبد الباسط عبد اللطيف
الأمين العام للائتلاف الوطني السوري