8.4 C
Damascus
الخميس, نوفمبر 21, 2024

نظام الأسد “يختلس الملايين من أموال المساعدات” من خلال التلاعب بالعملة السورية

تيسا فوكس من بيروت

ترجمة: حسان حساني

استحوذت الحكومة السورية على نصف التبرعات في عام 2020 بإجبار البنك المركزي وكالات الأمم المتحدة على استخدام سعر صرف أدنى

 

كشفت دراسة جديدة أن الحكومة السورية تختلس ملايين الدولارات من المساعدات الخارجية من خلال إجبار وكالات الأمم المتحدة على استخدام سعر صرف أدنى.

وقد وجد باحثون من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، ومركز العمليات والسياسات، ومركز تحليل العمليات والبحوث، أن البنك المركزي السوري اختلسَ 60 مليون دولار (44 مليون جنيه إسترليني) في عام 2020 من خلال الاستحواذ على 0.51 دولاراً من كل دولار ترسله الأمم إلى سورية كمساعدات، مما يجعل عقود الأمم المتحدة واحدة من أكبر السبل التي تدر المال على حكومة الأسد ورأس النظام، علماً أن البنك المركزي السوري خاضع للعقوبات من قبل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 

ومنذ فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السورية وانهيار النظام المصرفي في لبنان، اشتدت الضائقة المالية على دمشق، مما زاد اعتمادها على أساليب غير تقليدية لكسب الأموال التي تذهب إما لجيوب المسؤولين في دمشق أو لتمويل جهود الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام.

 

وقد حلل الباحثون المئات من العقود التي أبرمتها الأمم المتحدة لشراء السلع والخدمات للناس الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الأسد، حيث يعيش أكثر من 90٪ من السكان في فقر منذ انهيار الليرة السورية العام الماضي.

 

وبالرغم من تحسن سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي هذا العام إلى 2500 ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي، يبلغ سعر الصرف في السوق السوداء 3500 ليرة سورية، ولذا يفضل التجار والمستهلكون استخدام سعر السوق السوداء، حيث يحصلون على ليرات أكثر مقابل العملة الأجنبية.

 

ومنذ أن أجبرت الحكومة السورية الأمم المتحدة على استخدام سعر الصرف الرسمي، ضاعت نصف أموال المساعدات الخارجية التي جرى تحويلها إلى الليرة السورية بالسعر الرسمي الأدنى في عام 2020، عندما كانت الأسعار متباينة جداً.

 

وقالت “ناتاشا هول” من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن ساعَدَ في إعداد البحث: “يُظهر ذلك طريقةً منهجيةً للغاية لتحويل المساعدات قبل أن تتاح لها فرصة للتنفيذ أو الاستخدام على أرض الواقع.”

 

“إذا كان الهدف من العقوبات عموماً هو حرمان النظام من الموارد اللازمة لارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين، وكان الهدف من المساعدات الإنسانية هو الوصول إلى المحتاجين، فلدينا حالة تتعارض فيها المساعدات كلياً مع هذين الهدفين”.

 

وبعد 10 سنوات من الحرب في سورية، تحوّلَ الإرهاقُ الذي أصاب المانحين الدوليين – إرهاقٌ يعكسه انخفاض التعهدات بتقديم المساعدات يوماً بعد يوم- إلى مزيدٍ من الانخراط السياسي العلني مع نظام الأسد.

 

لا تلعب الولايات المتحدة دوراً قوياً في إيجاد حل سياسي في سورية، وهو حل لا تزال واشنطن تدعو إليه علناً. وقد استأنفت الدول العربية – بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة الأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر المتحالف مع الولايات المتحدة – المحادثات الدبلوماسية مؤخراً، وأعادت فتح حدودها أمام التجارة وأرسلت إشارات إلى نيتها تجديد التعاون الاقتصادي مع نظام الأسد.

 

وتسمح الولايات المتحدة لدمشق بلعب دورٍ رئيسٍ في نقل الغاز المصري إلى لبنان لتشغيل محطات توليد الكهرباء التي نفد الوقود فيها. كما سمح الإنتربول لسورية بالانضمام إلى شبكته رغم أن مصير المنشقين الذين أسرهم نظام الأسد طوال الحرب لا يزال مجهولاً.

 

وبعد فحص 779 عملية شراء علنية في عامي 2019 و2020، وجد الباحثون أن ما يصل إلى 100 مليون دولار قد ضاعت في سعر الصرف، وهذه العمليات مدرجةٌ في قاعدة بيانات السوق العالمية للأمم المتحدة.

 

وإذا احتُسبت الرواتب وبرامج المساعدات النقدية وتدفقات التمويل الأخرى التي لم يُعلن عنها، فمن المحتمل أن البنك المركزي قد جنى مئات الملايين من الدولارات، وفقاً للباحثين.

 

وهذا التمويل توجهه وكالات الأمم المتحدة المختلفة، وهي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وبرنامج الغذاء العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأغذية والزراعة، واليونيسيف.

 

وقد أبلغ نظامُ التتبع المالي التابع للأمم المتحدة الباحثينَ أنه لم يرصد كمية الأموال التي يجري تبادلها بالليرة السورية لأنّ “تتبع هذه المعلومات كان خارج نطاق مهمتهم”.

 

ولقي أكثر من 350 ألف شخص مصرعهم في سورية على مدار العقد الماضي، وتبرعت الحكومات بمتوسط 2.5 مليار دولار سنوياً لبرامج الأمم المتحدة في سورية منذ عام 2014.

 

وفي عام 2016، اتُهمت الأمم المتحدة بمساعدة نظام الأسد من خلال تحويل مليارات الدولارات من المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة فيما تركت المناطق المحاصرة دون طعام ودواء.

 

وحذرت منظمة هيومان رايتس ووتش وكالات الأمم المتحدة والحكومات بأنها تخاطر بالتواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان في سورية إذا لم تضمن الشفافية والرقابة الفعالة.

 

وفي العام الماضي، أعلنت الولايات المتحدة تقديم 700 مليون دولار إضافية كمساعدات إنسانية لسورية، كما قدمت حكومة المملكة المتحدة 1.59 مليار جنيه إسترليني كمساعدات لسورية بين شهري شباط / فبراير 2012 وحزيران / يونيو 2021.

 

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية: “المملكة المتحدة لا تقدم أية مساعدة من خلال نظام الأسد … توجد عمليات محكمة لضمان وصول مساعداتنا لمن هم في أمس الحاجة إليها”.

كما قالت “هول” إنه كان هناك “تحفظ” بشأن التحقيق في حجم المساعدات التي جرى تحويلها، كما أن المتبرعين كانوا على دراية بالمشكلة.

وأضافت: “كل ما في الأمر أن المانحين يختارون معارك معينة ليخوضوها، وأنا لا أرى أية معارك تدور رحاها عندما يتعلق الأمر بالمساعدات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية اليوم”.

وأردفت: “ما من سبيل لدينا، بصفتنا مستشارين مستقلين، لمعرفة المدى الكامل لكيفية إنفاق المساعدات داخل هذا البلد … أردنا الإشارة إلى ذلك فحسب، حتى من خلال هذه البوابة المحدودة لفهم مقدار ما يجري إنفاقه، وقد بلغ ما اختُلس بالفعل عشرات الملايين من الدولارات.”

وترى “هول” أن على الأمم المتحدة التفاوض بشأن سعر صرف تفضيلي مع حكومة الأسد، على الأقل لتقليل المبلغ الذي يجري اختلاسه.

 

كما قالت سارة كيالي، من هيومن رايتس ووتش: “لم تكن هناك حيطة أو يقظة كافية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ضمن مشتريات الأمم المتحدة لكي تتجنب مدّ النظام السوري بالمال”.

وأضافت: “يجب أن تكون هذه بمثابة دعوة للأمم المتحدة لكي تصحو من غفلتها… إذ ينبغي عليها مراجعة الطريقة التي تقدم بها المساعدة ومراجعة الطريقة التي ينظرون بها إلى التزاماتهم باحترام حقوق الإنسان في ضوء ذلك، لأن من الصعب تبرير ذهاب مئات الملايين من الدولارات إلى جهاز دولة يرتكب الانتهاكات.”

 

كما قالت دانييل مويلان، المتحدثة باسم وكالات الأمم المتحدة: “ترحب الأمم المتحدة بكل تدقيق مستقل في العمليات الإنسانية في سورية. لقد كانت أولويتنا الأولى -وستظل دائماً- مساعدة المحتاجين في سورية، مسترشدة بالمبادئ الإنسانية، والمساءلة أمام السكان المتضررين، والشفافية والكفاءة والفعالية.

وتضيف مويلان: “إن غالبية مشتريات الأمم المتحدة من أجل استجابتنا الإنسانية في سورية تجري في الأسواق الدولية والإقليمية، وبالتالي لا تتأثر بسعر الصرف السوري. وبخلاف ذلك، كما هو الحال في أي بلد، فإن الأمم المتحدة في سورية مجبرة على استخدام سعر الصرف الرسمي.

“في الماضي، تفاوضت الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني على سعر صرف “تفضيلي” للعمليات الإنسانية ويستمرون بالتواصل مع مصرف سورية المركزي بشأن أسعار صرف “تفضيلية”.

المصدر: صحيفة الغارديان

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار