في الذكرى الثامنة لغرق سفينة اللجوء… طبيب سوري يروي أحداثها المؤلمة

0
567

تمر الذكرى السنوية الثامنة لحادثة غرق السفينة التي أبحرت من ليبيا إلى أوربا عام 2013، والتي كانت تحمل عددًا من الأطباء السوريين مع عائلاتهم.

وبحسب رواية أحد الناجين من السفينة الغارقة قال فيها “قرر أكثر من 30 طبيباً الذهاب بحراً (نصفهم توفوا غرقاً رحمهم الله)، إلى أوربا، تكلمنا مع المهربين وقررنا أن نأخذ أفضل وأكبر سفينة وأفضل مهرب حينها، مع الأخذ بالأسباب من ناحية تأمين ستر النجاة من قبل المهرب (والتي لم يؤمنها فيما بعد رغم الطلب مرارًا بل أخبر أنها موجودة على السفينة)، ووجود جهاز “ثريا” و”بوصلة” بالتزامن مع إعلان إيطاليا عن بدء خطة لإنقاذ السفن في البحر”.

وأضاف “في نقطة التجمع وبعد انتظار 3 أيام تم تأجيل الرحلة بسبب سوء الأحوال الجوية، وبعد أسبوع عدنا وكان الوضع مبشراً بأن الطقس سيكون أفضل طيلة الأسبوع الذي يليه من حيث سرعة الريح وارتفاع الموج واعتدال الحرارة”.

و”بعد الإقلاع بحوالي 3 ساعات لحقت بنا سفينة صغيرة عليها علم الأمازيق ، وعرفوا عن نفسهم بأنهم خفر سواحل، لكن من الواضح أنهم عصابة كانت توجد مشكلة بينهم وبين المهرب، عرضنا عليهم المال فرفضوا وحاولوا قلب السفينة برمي حبال وتطويقها”.

قال الطيب إننا “أخبرناهم أننا لاجئون ونهرب ومعنا نساء وأطفال وأغلبنا من سورية، كل ذلك لم يشفع لنا، استمروا بالمطاردة والتهديد”.

بدأوا بعدها بإطلاق الرصاص بالكلاشينكوڤ في الهواء، ثم بإطلاق الرصاص على حجرة القبطان وعلى جسم السفينة، أصيب 3 أشخاص إصابات في الأطراف، تم تضميدهم وإيقاف النزف من قبلي، وقبل بعض الأطباء على السفينة. بحلول الساعة 11 ظهرًا (أي بعد 13 ساعة على انطلاق السفينة)”.

“تم الاتصال بخفر السواحل الإيطالي لكنهم رفضوا بحجة أننا نبعد عنهم وأننا في المياه الدولية، وأخبرونا أن نتصل بمالطا، لأن مجال تغطيتها للبحر أكبر، وتم الاتصال بمالطا وإعطاء الإحداثيات، وتبين فيما بعد بالتحقيقات التي قام بها الصحفي الإيطالي المشهور فابريزيو غاتي FABRIZIO GATTI أن السفينة الإيطالية كانت على بعد ساعة واحدة منا، والسفينة المالطية كانت على بعد ساعتين منا، تأخرت المساعدات كثيرًا وبحلول الساعة 4 عصرًا كانت السفينة تترنح وبدت أخفض من المستوى الذي كانت عليه”.

“أصاب الهلع جميع الركاب ،ووقعت بعض الحقائب في البحر، خاطبني ابني طارق مستغرباً ولا أنسى أبدا هذه اللحظة (بابا! شلون شنطتنا عبتسبح لحالها بالبحر، شلون هيك؟!)”.

“تسرب الماء بمقدار 5 سم وازدحام الطابق الأوسط من السفينة دفع بي إلى بعث الصغار طارق وبشر إلى صديقي د. أيمن في القسم العلوي من السفينة بعد حوالي ربع ساعة تسرب قسم من الماء إلى القسم الأوسط من السفينة، وبدأت السفينة بالترنح يمنة ويسرة وتفقد توازنها، لم يكن أحد يعرف حجم الماء المتسرب، فهو كامن في الفراغ بين الجسم الخارجي والجسم الداخلي للسفينة ، لكن ترنحها بهذا الشكل جعل الركاب ينتقلون يمنة ويسرة في محاولة لخلق توازن مضاد ، أيضاً انتقال الركاب من القسم السفلي للسفينة للأعلى جعل مركز ثقل السفينة أعلى من منصفها، بدأت أدعو بصوت مرتفع بدعاء ذي النون : (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)”.

“وصرت أكرر الدعاء مرارًا وزوجتي تنظر إلي بخوف لكني أنظر إليها بطرف عيني وأنا غير قادر على النظر إليها مباشرة خجلاً وكي لا أرى ملامح الخوف على وجهها”.

“لم يكن أحد يعرف ماذا سيحدث أو يتوقع ماذا سيحدث، الكل كان ينتظر أن تأتي سفينة المساعدة في اللحظات الأخيرة، في الساعة 4.45 عصر يوم الجمعة فجأة وبعد أن مالت السفينة للأيسر ، انقلبت السفينة على جانبها الأيمن 90 درجة، فأصبح حائط السفينة الذي كان خلفنا أصبح تحت أقدامنا ووقفنا عليه والشباك الكبير الذي كان أمامنا أصبح فوقنا ، كانت زوجتي أمامي وظهرها لي وبثانية واحدة غمرتنا المياه فأمسكت بخصر زوجتي بقوة بكلتا يدي بقوة، وبعد ثانية أخرى وجدت نفسي وسط الماء بدونها”.

“بعد 15 ثانية وجدت نفسي بدون زوجتي وأنا فوق الماء والسفينة بأكملها مقلوبة رأساً على عقب 180 درجة ، أدركت أنها علقت بالسفينة مثل كثير من الناس، مثل حوالي 150 شخصاً علقوا داخل السفينة”.

“كان من المستحيل إنقاذها لأنها غير مرئية أبداً والسفينة أصبحت على عمق 7 أمتار، اعتقدت مثلما يعتقد أي إنسان عندما يرى مصيبة كبيرة جداً بأن هذا كابوس سرعان ما سأستفيق منه”.

“فجأة وجدت نفسي بين العشرات من الناس الذين يتخبطون في الماء والذي لا يعرف السباحة يقفز فوق الآخر، هنا دخلت في حالة من الصدمة التي تشعرك بأنك في يوم المحشر ، هنا كل إنسان يقول نفسي نفسي”

“بقيت مصدوماً لا أعلم ماذا أفعل وأنا أستغفر وألهج بلا إله إلا الله، وأقول سامحوني يا حبيباتي وأنا أبكي، خطرت لي آلاف الأفكار منها ما يقول لي إنه كابوس سرعان ما سأستيقظ منه ومنها ما يخطر ببالي ، ماذا سأقول لأهل زوجتي وكيف حصل هذا؟”.

“غرق حوالي 250 شخصًا حسب الإحصائيات الرسمية لمالطا وإيطاليا، قسم كبير منهم يجيد السباحة (منهم زوجة صديقي د. أيمن رحمها الله، لديها ميداليات في السباحة، كانت تقول له مازحة : إذا صار شي أنا بنقذك) فنجا هو الذي لا يعرف السباحة وغرقت هي، ومنهم صديقنا د. مصطفى الدقاق الذي كان يقول رحمه الله: إذا صار شي لا سمح الله فأنا بعرف أسبح وأولادي الشباب كمان “سبيحة” ، وتوفي هو وأولاده، توفي من الناس الكثير، نجاة منهم د. عمران رسلان وجميع عائلته ، علقوا في السفينة ولم يوجد منهم أي فرد ومنهم د. خالد العوض وابنه مع اثنتين من بناته ، ونجى أشخاص لا يعرفون السباحة أبداً ، منهم طبيب زميلنا وزنه 130 كغ، ومنهم طبيب تعرفنا عليه توفيت ابنتيه الصغار لديه شلل أطفال وداء رئوي ولا يجيد السباحة”.

“من كان في الطرف الأيمن من السفينة التي انقلبت على جنبها علقوا جميعا ومنهم من علق في الغرف المغلقة أو الكاريدور الطويل، منهم صديقنا “طارق جاموس” الذي كان في غرفة فيها جميع أولاد خالته السبعة”.

“دخلت المياه الغرفة وضغط الماء أغلق الباب من الخارج، أخذ نفسًا عميقًا ودفع الباب الذي علق برجله و خرج وبقي أولاد خالته الذين غرقوا جميعاً.

بقيت هائماً أبحث هنا وهناك دون جدوى، السفينة بعد دقيقة واحدة من انقلابها أصبحت بالأكمل تحت سطح الماء وهبطت إلى الأعماق السحيقة واختفت عن الأنظار.

بعدها بربع ساعة حلقت طائرة شراعية فوقنا كانت تصور ، ثم بعد ربع ساعة أتت مروحية وألقت عدة قوارب نجاة مطاطية على شكل خيمة تتسع 25 شخصا، مع ستر نجاة لكنها رمتها في مكان بعيد عني.

رأيت على مسافة حوالي 150 مترا بزات طافية من بعيد، قررت أن أقطع هذه المسافة حتى أحظى بها، وبعد قطع تلك المسافة الكبيرة تبين لي أنها ليست بزات نجاة وإنما شخص متوفي لابس بزة نجاة ومقلوب على بطنه.

بعد أن يئست من اللحاق ببزات النجاة وبالقوارب المطاطية التي أصبحت بعيدة جدا عني بسبب المسافة التي قطعتها، تشنجت رجلي وبعد ساعة من السباحة أصبت بوهن وضعف كبير، أدركت أني سأغرق، وصرت أتشاهد على روحي وأنا أطلب من الله حسن اللقاء، فجأة وجدت قطعة خشب كبيرة زرقاء تبين أنها باب خشبي من السفينة ! لا أعلم كيف سبحت هذه القطعة مسافة حوالي 200 متر من السفينة تمسكت بالباب الخشبي”.

سبحت تدريجيًا نحو القوارب المطاطية وأنا في حالة صدمة وتعب شديدين وأنا أشاهد ما تبقى من الناجين يسبحون أو يصارعون الموت أو أنهم ماتوا وطافوا على وجه الماء.

بعد حوالي الساعة والنصف بدأت تظهر سفن الإنقاذ، صعدت على الخيمة المطاطية وجلست أبكي وأتقيأ ، بعدها اقتربت منا سفينة صيد إيطالية صعدنا عليها ثم أخذتنا السفينة المالطية”.

يذكر أن السفينة غرقت في يوم 26 تشرين الأول / أكتوبر عام 2013، ما أدى إلى وفاة 268 سوريًا، من بينهم 60 طفلًا.

وتواجه منظمات الإغاثة اتهامات بالتواطؤ مع مهربي المهاجرين الليبيين، لإيصال الناس إلى الشواطئ الأوروبية، وهي اتهامات تنفيها بشدة.

ومنذ مطلع العام الحالي، لقي أكثر من 450 مهاجرًا مصرعهم في البحر الأبيض المتوسط، بحسب “منظمة الهجرة الدولية”، وكان معظمهم يحاولون الوصول إلى أوروبا انطلاقًا من السواحل التونسية والليبية.