خاص – وكالة سنا
بعد أشهر من التأكيد التركي على الرغبة الكاملة في التطبيع مع نظام الأسد، وحل الملف السوري بشكل جذري بناء على ذلك، عادت أنقرة لتؤكد أن استعادة العلاقات ما تزال بعيدة، وأن الطرف المقابل ليس مستعداً بعد.
ونقلت صحيفة “حرييت” التركية المحلية، عن وزير الخارجية هاكان فيدان، في لقاء خاص لها معه نشرته، حيث بدا فيه متشائماً حيال إمكانية حل الملف السوري عبر التفاهم مع الأسد.
أتى ذلك بعد أيام فقط من تصريح أردوغان من على متن طائرة عائدة من مدينة قازان الروسية، عقب مشاركته في قمة بريكس؛ قال فيه إنه سيفعل “ما تقتضيه الضرورة” في سورية، من أجل “القضاء على الإرهاب من منبعه” فيها، مع مواصلة العمل شمال العراق.
كما أكد أنه ناقش مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مسألة لقاء الأسد، معتبراً أنها ستكون مفيدة في إطار محاربة “التنظيمات الإرهابية” المرتبطة بحزب العمال المحظور.
وفي حديث خاص، قال المحلل السياسي حسن النيفي لوكالة سنا، إن تصريحات وزير الخارجية التركي فيدان حقان منذ يومين تحمل كثيراً من ملامح الخيبة الممزوجة بالنزق التركي نتيجة مماطلة الأسد وعدم تفاعله الجدي مع دعوات التركية المتكررة والمتواترة من أجل التطبيع بين أنقرة ودمشق.
وأضاف أن تركيا بدأت بدعواتها منذ صيف عام 2020 عندما استشعرت أن القضية السورية لم تعد أولوية بالنسبة إلى بقية الدول إلا بمقدار ما تخدم مصالحها. ويعتقد النيفي أن القادة الأتراك قرأوا السياسات الدولية وتعاملوا مع القضية السورية من هذا المنظار “أي من منظار المصلحة”، ونحن لسنا بحاجة إلى التأكيد إلى أن ما هوا أولوية بالقضية السورية هو قضية حزب الاتحاد الديموقراطي “pyd”، ومسألة إقامة “كيان كردي” على حدود تركيا الجنوبية، هذه هي الأولوية التركية وهذه هي الفكرة التي تريد مقاومتها بكل الأشكال.
وتابع محدثنا: إن التطبيع مع الأسد من وجهة نظر تركيا هوا يخدم المصلحة التركية بمعنى أنه باسم وحدة سورية يمكن دفع نظام الأسد لمقاومة قسد، وبالتالي طرد قسد من شمال شرق البلاد، وبهذا تكون تركيا قد دفعت هذا الخطر الذي يهدّد أمنها القومي، ولكن نحن نعلم أن الذي وقف ضد هذا المشروع هو بالأصل إيران، وهي من دفعت “بشار الأسد” إلى أن يضع شروط شبه تعجيزية، فبشار الأسد يشترط على المصالحة التركية انسحاب تركيا من كل الأراضي التي تقع تحت سيطرتها بالشمال بالتنسيق مع فصائل المعارضة، وهذا لا يمكن أن تقوم به تركيا، طالما أن ميليشيا قسد موجودة في تلك المنطقة.
تنافس تركي إيراني على سورية
يرى النيفي أن إيران هي من تدفع بهذه الشروط لأن إيران لا تريد لتركيا أن تستفرد بالملف السوري، لأن تركيا هي دولة إقليمية كبرى، وأيضاً إيران هي دولة إقليمية كبرى، وكلتا الدولتين تريد أن تستحوذ على كامل سورية، وإيران تخشى إن تركيا طبعت مع بشار الأسد أن تقوم في المستقبل الشركات التركية بالسيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري بمسألة إعادة الإعمار.
وأشار النيفي إلى أن مصالحة التركيا مع نظام الأسد هي فكرة روسية، دفع بها بوتين وهي وليدة مسار “أستانا”، هي الالتفاف على القرار 2254 واستبداله بمصالحة بين المعارضة والأسد، حيث يبقى “بشار الأسد” ويعطي للمعارضة السورية ربما بعض المشاركة أو بعض الامتيازات، أو ممكن إصلاحات طفيفة في دستور وتعود الأمور إلى ما كانت إليه.
هذا هو مشروع روسيا في سورية، وهذا أيضاً ما لا توافق عليه إيران وعلينا أن نذكر دائماً أن “بشار الأسد” لم يتنازل قيد أنملة لكل الأطراف التي حاولت أن تطبع معه، ليس لأنه هو لا يريد التنازل لأن بنية نظامه لا تقبل التغيير، وهو أن أقدم على أي إصلاح أو اي خطوة بهذا المنحى يخشى من السقوط المفاجئ، وفق ما قال المحلل السياسي حسن النيفي.
لذلك نحن نقول: إن بنية هذا النظام هذا هي العقيمة وليس أن المطبعين مع النظام عجزوا عن انتزاع مواقف معه، فهو يدرك بنية نظامه عقيمة جداً ولا تحتمل أي مرونة ولا تحتمل أي تبديل، لذلك نرى أن كل المسارات التي حاولت التطبيع معه انتهت إلى الفشل سواء إلى المبادرة العربية التي قام بها الأردن منذ سنتين، ومشروع المملكة العربية السعودية عندما دعته إلى قمة جدة والزيارة الأخيرة لوزير خارجية الاردن إلى دمشق ولقائه مع رأس النظام، كانت تحمل ملامح فيها كثير من النزق الأردني والانزعاج من مماطلة بشار الأسد، على حد قوله.
ويعتقد النيفي أن واعتقد أن المطبعين باتوا على يقين سواءً العرب أو الأتراك أن نظام الأسد لا يمكن التطبيع معه ولا يقبل التطبيع لأنه لا يقدم شيئاً على الإطلاق، يعني هو لا يرضخ لأي استحقاقات للمصالحة، ويريد العالم أن يتعامل معه كما هو.
ويصرّ نظام الأسد على مطلب سحب القوات التركية من شمال غرب سورية، فيما تؤكد أنقرة استعدادها لذلك، ولكن مع تأجيله، حتى تحقيق حل شامل للقضايا الرئيسية العالقة.
الحرب في لبنان
وفق حسن النيفي فإن مصير “بشار الأسد” هو ذو صلة إلى حد بعيد بالحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على لبنان، فإسرائيل تحاول مطاردة وتعقب فلول ميليشيا حزب الله سواء في لبنان أو سورية، وإذا انتقلت الحرب إلى سورية في تعقب لحزب الله، هل يستطيع “بشار الأسد” الاستمرار بالنأي أو الصمت، وهل تتيح له إيران، هل ستقبل من النظام أن ينأى بنفسه ويغلق الجبهة السورية أو الساحة السورية أمام فلول إيران وميليشياتها، هذا هو السؤال الصعب الذي لا يمكن التنبؤ بجوابه، وهذا إلى حد بعيد يختزل مصير الأسد في المستقبل.
وكان فيدان قد أدلى بتصريحات مهمة في العديد من القضايا، من التطبيع إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن قوات قسد، ومن الهجمات الإسرائيلية على لبنان إلى الحرب الروسية – الأوكرانية.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد لصحيفة “حرييت” في وقت سابق أنهم “سيشاركون بنشاط في الاتصالات”، فقد تحدث فيدان حول أسلوب خاص بتركيا في ضمان الاستقرار في سورية.
وتريد تركيا – بحسب الوزير – أن ترى النظام والمعارضة ينشئان إطاراً سياسياً يمكنهما الاتفاق عليه في بيئة خالية من الصراع، حيث من المهم أن توفر بيئة آمنة ومستقرة لشعبها، إلى جانب المعارضة.
وقال فيدان: إن الاتصالات والمحادثات منفصلة، مضيفاً أنه يجب أن يكون هناك تواصل مع المعارضة السورية في “حوار حقيقي”، مؤكداً أن “رغبتنا هي أن يتوصل الأسد إلى اتفاق مع معارضيه”.
واستدرك بالقول: “لكن، على حد علمنا، هو وشركاؤه غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة وإجراء التطبيع.. حتى الآن لا يبدو أن الأسد وشركاءه مستعدون لحل بعض المشاكل”.
وبحسب الوزير التركي، فإن أنقرة لا تريد أن يستغل “pkk” هذه البيئة الفوضوية، فقد يؤدي ذلك إلى جر سورية إلى مزيد من عدم الاستقرار، ومن هذا المنظور فقد أصبحت المصالحة بين النظام والمعارضة أكثر أهمية.
وقد باتت القضية الأساسية الحساسة بالنسبة لأنقرة هي تطهير المنطقة في شمال شرق سورية من منظمة “PKK/YPG”، التي تحتل ثلث الأراضي السورية بدعم أمريكي.
وأشار فيدان إلى الاقتراب النسبي في وجهات النظر مع واشنطن بشأن الاستمرار في دعم قسد، وإن كانت ما تزال مصرة على ذلك.
وكان نظام الأسد قد جدّد مطالبته لتركيا بالانسحاب من الشمال السوري، لكن من دون اعتباره شرطاً لبدء المحادثات، وذلك على لسان بثينة شعبان المستشارة الإعلامية لبشار الأسد، حيث قالت إن مسار التقارب لن ينطلق قبل إقرارها بنيتها على الانسحاب من سورية.