معمر بكور | مقال رأي
أخصائي حالة في المنتدى السوري – أعزاز
يعيش أطفال سورية في هذا العام حالة طارئة متمثلة بالزلزال الأخير الذي ضرب الشمال السوري في السادس من شباط الماضي، حيث إنه لم يكتفِ أطفالنا بتحمل ظروف النزوح والقصف والتهجير، بل إن الجيل الحالي عاش حدثاً طارئاً لم يعتد أحد على معايشته، سواء من الكبار أو الأطفال.
إن مئات الآلاف من أطفال الشمال السوري كانوا الضحية الأولى لهذا الزلزال المدمر، حيث إن هذه الظاهرة الطبيعية قد غيرت من مجرى حياة كثيرين منهم، فمعظم هؤلاء الأطفال فقدوا آباءهم وأمهاتهم أو أحد أفراد أسرتهم، كما أنهم فقدوا المنازل التي كانت تأويهم، ولعلّ أبرز ما فقده الأطفال في هذا الزلزال هو دمار عشرات المدارس، وتضرّر المئات منها، مما أدى إلى تسرب الأطفال عن التعليم، وانتشار ظاهرة كبيرة في مجتمعاتنا هي عمالة الأطفال، حيث اضطر الأطفال إلى تحمل مهام فوق طاقاتهم، والعمل في مختلف المهن الصعبة والخطرة عليهم، كما أن هذه الظاهرة ازدادت بعد الزلزال، وأن ظروف الحياة الصعبة أدت إلى تعرّض الأطفال إلى الاستغلال الناتج عن العمل من أصحاب العمل.
تأثرت حياة الأطفال في ظلّ الحروب والكوارث من مختلف النواحي النفسية والتعليمية والصحية، ولعل الجانب النفسي يُعد جزءاً لا يُستهان به في شخصيّة الطّفل، حيث إن الصحة النفسية عند الأطفال لا تقل أهمية عن صحتهم الجسدية، بل كلتاهما يسير في خط واحد لتحقيق التكامل في شخصية الطفل، وإن تمتع الأطفال بصحة نفسية جيدة يلعب دوراً مهماً في تنمية قدراتهم وتقوية مرونتهم للتعامل مع مختلف أحداث الحياة الضاغطة.
ومن الممكن، أن يتعرض نسبة لا يستهان بها من الأطفال إلى عدد من الاضطرابات النفسية الناتجة عن الأحداث الصادمة كالزلزال، ومنها (اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، والاكتئاب، واضطرابات القلق بكل أشكالها)، إضافة إلى عدد من الأمراض مثل التبول اللاإرادي نفسي المنشأ.
وهنا يلعب الدعم النفسي الاجتماعي، المقدّم من خلال فرق حماية الطفل، دوراً مهماً في مساعدة الأطفال على تجاوز المحنة الحالية، إضافة إلى تقوية مرونة الأطفال للتعامل مع مختلف الظروف الصعبة التي يتعرضون لها، وربما يقع العبء الأكبر على الأسرة، كونها العامل الأساسي الذي يؤثر في صحة الأطفال النفسيّة، حيث إن نمو الطفل في أسرة قائمة على الاهتمام بأطفالها وتوفير العطف والحنان وخصوصاً في حالات الطّوارئ، لا شك أنه سينعكس إيجاباً على قدرة الأطفال للتعامل مع مختلف الظروف الصعبة التي يمرون بها.
وكما يقع علينا كعاملين في مجال حماية الطفل دور مهم في تعزيز الصحة النفسية للأطفال، وذلك من خلال الفرق الجوالة التي تقوم بتقديم الإسعاف النفسي الأولي سواء الفردي أو الجماعي للأطفال الناجين من الزلزال، أو من خلال أنشطة المساحات الصديقة التي تقوم بتقديم الدعم النفسي الاجتماعي لمساعدة الأطفال على تجاوز هذه الظروف الاستثنائية الحالية كتقديم أنشطة رفع التوعية، الأنشطة الترفيهية، الإبداعية والنفس حركية الأمر الذي يساعدهم في التعبير عن مشاعرهم واكتشاف ذواتهم وتطوير مهاراتهم، والكشف عن المشكلات التي يعانون منها، وإرشادهم إلى طرق علاجها والوقاية منها.
وفي الختام، بالطبع يمكن شفاء هؤلاء الأطفال، فالله لم يمنحهم الحياة الجديدة ليشقوا، وعلى الرغم مما مروا به فلديهم فرصة للحياة ومواصلة التعلم والرعاية الذاتية، ما دار هو ابتلاء ومحنة، وخلف كل محنة منحة لهؤلاء الأطفال، علينا في المرحلة المقبلة تكثيف الجهود بشكل جماعي للعمل معاً على نهضة المجتمع السوري وتوعيته بما يخص حقوق الأطفال والاهتمام بصحتهم النفسية ووضع خطط إستراتيجية للتعافي السريع وطويل الأمد يساهم بها الأهل والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني السورية معاً.