تشهد الحدود الأردنية السورية تصاعداً لعمليات التهريب، ولا سيما تهريب المخدرات بشكل خاص، التي باتت تهدد أمن الأردن ودول الخليج العربي بشكل خاص، ووفقاً لتقرير نشره معهد “نيولاينز” الأمريكي فإن “تجارة حبوب الكبتاغون المخدرة توسعت في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير حتى تجاوزت قيمتها الـ 5مليارت دولار أمريكي، وأكد التقرير أن نظام الأسد بات يستخدم هذه التجارة كوسيلة للبقاء سياسياً واقتصادياً”.
ورغم تشديد السلطات الأردنية الخناق على المهربين إلا أنّ عمليات التهريب باتت أكثر تطوراً من ذي قبل، حيث استخدم المهربون طائرات مسيّرة يُتحكم بها من داخل الأراضي السورية، ووفقاً لخبراء عسكريين فإنه لا يمكن أن ترصدها الرادارات ليلاً، لأن بصمتها صغيرة جداً، ثم إنّ حدوداً طولها يتجاوز 370 كيلو متراً، حيث تضع الأردن تحت خيارات صعبة.
في حين قد يحتاج إلى جيوش رديفة من دول الإقليم والحلفاء لضبطها، وفيه إنهاك للجيش في استنفار دائم لا يوجد أفق لنهايته، ذلك أن نظام الأسد يبدو أنه يخطّط لحرب طويلة في إطار سياسته عقاب الأردن والدول العربية خلفه التي يتّهمها بالوقوف ضده في الأعوام السابقة.
وفي تصعيد لافت لم يعد التهريب يقتصر على الكبتاغون، ولكن بات يشمل المتفجرات والأسلحة، فلقد أعلن الجيش الأردني الشهر الماضي أنه “أسقط طائرة مسيرة كانت تحمل متفجرات من نوع “تي إن تي” من سورية إلى داخل البلاد”.
وكان الجيش الأردني أعلن في الـ 17 من فبراير 2022 أن السلطات الأردنية أحبطت خلال 45 يوماً من مطلع ذلك العام دخول أكثر من 16 مليون قرص “كبتاغون”، وهو ما يعادل الكمية التي تم ضبطها طوال عام 2021، مما أجبر القوات الأردنية إلى استخدام سلاح الجو مرات عدة لإحباطها.
هذه التطورات دفعت الأردن لطلب المساعدة من الولايات المتحدة لمواجهة الخطر القادم من وراء الحدود، ففي آذار الماضي طلب العاهل الأردني الملك عبد الله من وزير الدفاع الأمريكي الذي كان يتفقد قوات أمريكية في الأردن مساعدة بلاده في ضبط الحدود.
وتناقلت وسائل إعلام غير رسمية عن نية الأردن وبمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية إقامة منطقة عازلة تمتد من منطقة “التنف” السورية شرق شمال الأردن حتى “درعا” في الشمال الغربي من الحدود على طول 375 كيلو متراً، وبعمق 35 كيلو متراً، وهذا ما لمّح له وزير الاعلام الأردني السابق “سميح المعايطة” على قناة الجزيرة أنّ إخراج تلك المناطق من سلطة الأسد والميليشيات الأردنية، يعمل عليه الأردن حالياً وبمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يجد الأردن نفسه مضطرّاً لهذا الخيار وقد سبق له أن رفضه حسب المعايطة، وقد تكون بمساعدة إقليمية ودولية.
ولعلّ تغير المعطيات وقيام الاحتجاجات والمظاهرات في السويداء وعودة اشتعال مناطق الجنوب في درعا وريفها، يوفّر للأردن بيئة مناسبة للتقدّم بطرح فكرة المنطقة العازلة والحصول على تأييد خارجي، خصوصاً وأنه ينطوي على حماية مكوّنات سورية من خطر الإبادة.
ثمّة تمهيد أردني واضح لتغيير المقاربة والأدوات في التعاطي مع نظام الأسد، إذ إن نظام الأسد لا يريد أن يتوقف عن إرسال شحنات الكبتاغون، والأردن غير قادر على الاستمرار في لعبة خطرة باتت تتطوّر بسرعة، وتضعه في قلب الاستنزاف وعلى شفا انهيار على مستويات عديدة.
وصاغت مسوغات المنطقة العازلة الصحفية “ندى الزعبي” المهتمة بشؤون الجنوب السوري بتصريح خاص للوكالة: “إنّ سيناريو المنطقة العازلة قابل للتحقيق بلا شك خاصةً أن هناك توافق دولي حول ذلك، بينها أمريكا وإسرائيل والأردن لعدة أسباب أهمها حماية الأمن القومي لكيان الاحتلال الإسرائيلي وأمن الأردن ودول الخليج من المخدرات وخطر إيران.
وأضافت “المنطقة العازلة كانت مطروحة منذ عام ٢٠١٤ بهدف الحفاظ على المدنيين وتأمين المهددين بخطر القصف والاعتقال وغير ذلك، وعودة طرح الملف جاء بهدف حماية حدود الأردن ودول الخليج من تهريب المخدرات والخوف من تمدد الميلشيا الإيرانية على الحدود، ولا سيما أنّ الأسد أصبح يهدد الأمن القومي للدول المجاورة”.
وأشارت إلى وجود ضوء أخضر دولي للأردن لحماية حدودها بالشكل الذي تراه مناسباً، وظهر هذا جلياً عندما تدخل الطيران الأردني وقصف مناطق المهربين ومصانع المخدرات التي رصدتها داخل الأراضي السورية، وتكرر هذا الأمر 3 مرات حسب الزعبي.
وأوضحت أن وجود القوات الأمريكية بالقرب من الحدود في قاعدة “التنف” قد يكون لها دور ومشاركة فاعلة مستقبلاً في إنشاء “المنطقة العازلة”.
والجدير بالذكر أن الأردن كان له الدور الأساسي في إقناع الأطراف العربية المتردّدة في قبول التطبيع مع نظام الأسد، ولقد صاغ مبادرة دبلوماسية للحل في سورية بضوء أخضر عربي على قاعدة “خطوة مقابل خطوة”، والتي سوق لها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بهدف إعادة التطبيع مع نظام الأسد ولكن بشروط.
ويبدو أنّ الأردن أدرك وبعد جولاتٍ معقّدة من التفاوض مع نظام الأسد، أنّ الأخير لا يرغب بالتفاعل الإيجابي مع كل القضايا المطروحة للنقاش مع عمّان، وهي قضايا ليست تفصيلية للأردن، بقدر ما هي في صلب الأمن الأردني، إلى درجة أن استمرارها بدون حلول تشكل مخاطر وجودية على الأردن، وأن نظام الأسد يخطّط لحرب طويلة في إطار سياسته عقاب الأردن والدول العربية خلفه التي يتّهمها بالوقوف ضده في الأعوام السابقة.
وذهب وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد أبعد من ذلك، في اجتماعات لجنة الاتصال العربية في القاهرة، بالتحريض على الأردن واتهامه المملكة بأنها تضغط على نظام الأسد لإجباره على التسليم بشروط الخارج، وحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، اتهم المقداد أيضاً مصر في إشاعة هذه المناخات المعادية لنظامه.