21.4 C
Damascus
السبت, نوفمبر 23, 2024

لماذا انخفضت المساعدات الأممية لشمال غربي سورية؟

في تطور جديد على الصعيد الإنساني في شمال غربي سورية، انخفض عدد شاحنات المساعدات الأممية إلى المنطقة بنحو 100 شاحنة خلال تشرين الأول الماضي مقارنة بأيلول الذي سبقه، الأمر الذي سيزيد من صعوبة الوضع المعيشي للسكان، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.

وبحسب تقرير صادر عن مكتب تنسيق المساعدات الإنساني في الأمم المتحدة(الأوتشا)، فإن عمليات الإغاثة عبر الحدود مستمرة، حيث عبرت 257 شاحنة تحمل مساعدات الأمم المتحدة إلى شمال غربي سورية، خلال شهري أيلول وتشرين الأول وخلال فترة التصعيد في الأعمال العدائية.

فريق منسقو استجابة سورية المختص بمتابعة الملف الإنساني، قال في بيان له إن عدد الشاحنات لم يتجاوز 155 شاحنة إغاثية في تشرين الأول، من ثلاثة معابر حدودية، توزعت على معبر “باب الهوى” حيث دخلت 126 شاحنة بانخفاض 86% عن الشهر نفسه خلال 2022، ودخلت من معبر باب السلامة 29 شاحنة، فيما لم يسجل معبر “الراعي” تسجيل دخول أي شاحنة مساعدات.

أسباب انخفاض المساعدات

وأوضحت الباحثة في مركز عمران رهف لحام في حديثها لوكالة سنا، أن ملف المساعدات الإنسانية يواجه الكثير من العقبات، أهمها: “آلية الإدخال”،فبعد الجدل حول آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود والتنازلات عند كل تمديد للقرار مقابل عدم استخدام الفيتو الروسي، قامت روسيا بإنهاء الآلية وتسليم الملف للنظام ليفرض شروطه مقابل السماح بإدخال مساعدات عبر معبر لا يسيطر عليه.

وقالت إن تلك الشروط لم توافق عليها الأمم المتحدة، مما أدى لتعطيل دخول المساعدات، ثم بعد التوصل لاتفاق في 8 آب، سُجل دخول عدد محدود من الشاحنات مؤخراً دون معدل ما كانت عليه المساعدات الأممية العام الماضي بنحو 80%.

وأضافت لحام أن حجم التمويل لم يكن يغطي الاحتياج الإنساني الكبير والمتزايد في سورية، نتيجة عدم التزام كثير من الدول بتعهداتها المعلنة، وتركيزها على احتواء أزمة اللجوء في بلدان الجوار، إضافة لإعلان عدد من الدول تخفيض مساعدتها إلى سورية بمعدل 30% ويتوقع مثلها العام القادم.

وأشارت إلى أن هذا يأتي نتيجة تراجع الملف السوري في قائمة الأولويات الدولية، إثر الأزمات المتراكمة منذ كوفيد 19 ثم الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من أزمات عالمية في الغذاء والطاقة والتضخم، ثم الكوارث الطبيعية التي أصابت مناطق عدة هذا العام، كما يتوقع أن تشهد المساعدات مزيداً من الانخفاض بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة وما سيستدعيه من تمويل لاحقاً لمعالجة آثار الكارثة الإنسانية الحاصلة.

من جهته قال مدير العلاقات في منظمة عطاء، الدكتور مأمون سيد عيسى، إن انخفاض أعداد الشاحنات قد يُفسر بأمرين، الأول أنه قد يكون لأسباب لوجستية ويمكن تعويض الانخفاض في الشهر القادم، أما الاحتمال الثاني، فانخفاض العدد هو من تداعيات قرار برنامج الأغذية العالمي، مطلع شهر يوليو تموز 2023، بتخفيض المساعدات في عموم سورية، إلى ما يقارب النصف.

حيث صدر كتاب من مدير مكتب ومنسق الطوارئ لعمليات شمال غربي سورية في برنامج الأغذية العالمي، يبين فيه أنه “اعتباراً من شهر تموز، سيضطر برنامج الأغذية العالمي إلى خفض ميزانيته بنسبة 40% وخفض المساعدة بمقدار 2.5 مليون من أصل 5.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سورية بكاملها.

هل هناك بدائل؟

خلال فترة توقف دخول المساعدات الأممية في تموز الماضي، والإعلان في آب عن توصل الأمم المتحدة لتفاهم مع نظام الأسد، باستخدام معبر باب الهوى لمدة 6 أشهر لإدخال المساعدات، أنشئت آلية تمويل جديدة تسمى”إنصاف”.

وإنصاف، هو صندوق للتمويل تديره شركة بريطانية، مهمتها إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين القاطنين في الشمال، كحل بديل عن آلية دخول المساعدات “عبر الحدود”.

وعملت أربع دول على إنشاء صندوق “إنصاف”، هي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بقيادة شركة “آدم سميث” البريطانية، مع وجود لجنة توجيهية من المنظمات السورية وبعض المنظمات الدولية.

وعن مدى إمكانية أن يكون صندوق إنصاف حلاً بديلاً عن المساعدات الأممية، قالت الباحثة رهف لحام لوكالة سنا، إن الدول الداعمة تحتاج لإيجاد بدائل وقد تكون مبادرة إنصاف أحدها، لكن من الجدير بالذكر أن حجم التمويل الأممي أكبر بكثير من التمويل خارجها من جهة.

وأضافت أن هناك تحديات متعلقة بثقة المانحين بحوكمة العمل عبر وكالات الأمم المتحدة ووضوح آلياتها التنفيذية وشفافيتها وإمكانية مراقبتها، مما يفرض على المبادرات الأخرى وشركائها المحليين جهداً إضافياً لتنال ذات الثقة بعملها وتكون قادرة على جمع التمويل الكافي للمساعدات اللازمة والشفافية بتوزيعها، فيما رفضت عدة دول منها اليابان إدخال المساعدات خارج نطاق الأمم المتحدة.

واعتبر الدكتور مأمون سيد عيسى، أن صندوق إنصاف ما زال في بداية عمله والخبرات ضمنه محدودة، أي ما زال في الطور التجريبي، و من الصعب أن نحدد هل بإمكانه أن يحل مكان صندوق التمويل الإنساني.

وأشار إلى أن نجاح الصندوق كبديل مرتبط بدعم الدول له خاصة الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وهنالك من الدول الداعمة في موضوع المساعدات الدولية غير مقتنعة به وترفض المشاركة به، لكن ربما اذا تغيرت قناعاتها سيشكل هذا الصندوق بديلاً جيداً يمنع الابتزاز الروسي في موضوع دخول المساعدات لشمال وشمال غرب سورية.

توالي الحروب

أما فيما يخص سد الاحتياج الإنساني في سورية ، فيرى سيد عيسى أن سد الاحتياج الإنساني قبل إنشاء صندوق إنصاف لا يحقق إلا جزءاً لا يتجاوز ال40% في أعلى حالاته، وبالتالي سد الاحتياج يتعلق بالدول الداعمة، كما أن توالي الحروب في العالم، منها الحرب الأوكرانية والحرب في السودان وأخيراً حرب غزة، كلها تحتاج دعماً إنسانياً، وبالتالي من المتوقع أن يؤثر هذا الحال على الوضع الإنساني في سورية.

ومن وجهة نظر الباحثة رهف لحام، فإن الأمم المتحدة نفسها تواجه تحديات عدم كفاية التمويل مقارنة بالاحتياج، فحتى نهاية تشرين الثاني تم تأمين ثلث التمويل المطلوب لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 لسورية فقط، فيما لم يتضح هامش التمويل في إنصاف بعد، والأرقام المذكورة تتحدث عن هامش لا يتجاوز 200 مليون يورو في أفضل التوقعات، ويعد الرقم ضئيلاً جداً مقارنة بمليارات التمويل الأممي والتي لا تعتبر بحد ذاتها كافية لتغطية الحد الأدنى من الاحتياج الإنساني المتزايد في شمال غرب سورية.

تقييم الوضع الانساني

يعتبر الوضع الإنساني في سورية وفي شمال غربها تحديداً حيث تتركز المخيمات النظامية والعشوائية، والنسب العالية من النازحين داخلياً -وكثير منهم لا يصله أي دعم- وضعا حرجاً يفتقر لأدنى مقومات الحياة على كافة المؤشرات، من حيث فقدان الأمن الغذائي، وعدم القدرة على الوصول إلى مياه الشرب النظيفة والخدمات الأساسية والصحية وبالتالي انتشار أوبئة، وفق ما قالت رهف لحام.

وأضافت أن الوضع الاقتصادي المتردي وانتشار البطالة سبب أزمات اجتماعية، إضافة لانسحاب الكثير من المنظمات لضعف التمويل والذي سبب تراجعاً في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات، ليأتي الزلزال من جهة والقصف المستمر من جهة ثانية ليفاقم معاناة الأهالي في المنطقة.

التصعيد مستمر

هذا ويستمر التصعيد العسكري على شمال غربي سورية، حيث ذكر مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA)، أن التصعيد الذي بدأ في 5 تشرين الأول تسبب بمقتل أكثر من 70 شخصاً، وأصيب 349 آخرون، أكثر من ثلثيهم من الأطفال.

ووفق تقرير  المكتب الصادر الجمعة 3 من تشرين الثاني، فقد نزح أكثر من 120,000 شخص خلال أسبوعين بسبب هذه الأعمال العدائية، وأثّرت هذه الحوادث على أكثر من 40 مرفقاً صحياً، و24 مدرسة، و20 منظومة مياه من بين العديد من المرافق الأخرى.

وارتفعت نسبة العائلات التي تعتمد على المساعدات الإنسانية 84% وسط مخاوف من زيادة النسبة الحالية بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء وعدم قدرة المدنيين على تأمين العمل مقارنة بفصل الصيف، وارتفعت نسبة الاحتياجات الإنسانية في مختلف القطاعات بمقدار 18.9% مقارنة بأيلول الماضي، يقابلها نقص في الاستجابة الإنسانية بنسبة 13.8% ، بحسب فريق منسقو استجابة سورية.

ونشر مكتب الأوتشا إحصائية تقول إن عدد السكان في شمال غرب سورية يبلغ 4.5 مليون نسمة، منهم 3,7 مليون نسمة بحاجة تقديم مساعدات إنسانية، بينما يعاني 2,9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، كما يبلغ عدد النازحين داخلياً ويعيشون في المخيمات نحو 2 مليون شخص.

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار