9.4 C
Damascus
الجمعة, نوفمبر 22, 2024

تزايد حالات الانتحار في الشمال السوري، ومختصون لوكالة سنا: هناك حلول للحد منها

خاص | وكالة سنا

شهدت منطقة شمال غربي سورية ارتفاعاً ملحوظاً بحالات الانتحار منذ بداية العام الحالي، وذلك لأسباب تتعلق باضطرابات نفسية لها مسبباتها المختلفة، وسط جهود حثيثة للحد من انتشارها في المجتمع.

فقد سجل فريق “منسقو استجابة سوريا” في العالم الحالي 62 محاولة انتحار بينها 34 حالة باءت بالفشل، وذلك بعد تسجيل حالتي انتحار جديدة في الشمال السوري خلال الأسبوع الماضي، علماً أن المنطقة سجلت العام الماضي 88 حالة (55 حالة انتحار، بينها 33 حالة فاشلة).

وأضاف الفريق الإنساني أن النساء تشكل الفئة الأكبر في أعداد تلك الحالات، لعدم وجود من يساعدهم على تخطي الصعوبات التي يعانون منها، واليافعين غير القادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار والتي تشهد تزايداً ملحوظاً في المنطقة نتيجة المتغيرات الكثيرة والدورية التي تشهدها كافة مناطق الشمال السوري.

أسباب الانتحار

أفاد المختص النفسي في منظمة “حراس الطفولة” كمال صوان لوكالة سنا، أن بيئة الأزمات والنزاعات والكوارث تعتبر بيئة مشجعة لظهور اضطرابات ومشاكل نفسية وزعزعة في عافية الفرد العقلية، ومن مسبباتها “التعرض لصدمة أو الضغط العصبي، مثل فقدان شخص عزيز، أو التعرض للتنمر والإساءة، أو الصعوبات المالية، كما أن ملازمة الشخص لأحد المرضى النفسيين فترات طويلة قد يكون سبباً في إصابته بالمرض”.

إضافة إلى “استمرار الواقع المفروض والذي يزيد من هول الضغوط النفسية على الإنسان لتتحول تلك الضغوط إلى مشاكل واضطرابات ثم إلى أمراض نفسية عند توافقها بالمدة ومعايير التشخيص المرضي”، مشيراً إلى أن “الأطفال بحسب ممثلي الحماية وبحسب منظمة أنقذوا الطفولة كان عليهم التأثر الأكبر بهذه النزاعات والحرب كونهم الفئة الأكثر تأثراً بالضغوط”.

من جهته، قال المختص النفسي علاء العلي لوكالة سنا، إن الفرق الجوالة المختصة بالدعم النفسي أحصت منذ بداية العالم الحالي إلى نهاية شهر تشرين الثاني 83 حالة، متنوعة فكان بعضها عبارة عن محاولة للانتحار، وبعضهم الآخر كان يضع خطة للانتحار ولكن لم تكتمل.

وعن أسباب الانتحار، قال العلي، إن المسبب الرئيس الأول هي الاضطرابات النفسية ما بعد الصدمة أو ما بعد الكرب، الاكتئاب الشديد، سوء استخدام مواد مخدرة، مشاكل اقتصادية، مشاكل علاقات اجتماعية وأسرية، إضافة للأمراض المزمنة.

طرق الوقاية

وعن طرق الحد والوقاية من ظاهرة الانتحار، أكد العلي، أنه من المهم وجود تشبيك بين المنظمات الإنسانية، ليتم تأمين حاجات الشخص الذي أقدم على الانتحار، سواء حاجات مادية أو نفسية أو علاقات اجتماعية، إضافة لوجود علامات تحذيرية يطلقها الشخص قبل الإقدام على إنهاء حياته، كأن يتكلم أمام أصدقائه أنه إنسان فاشل، وأن حياته انتهت، ويكون عنده عزلة مفرطة، وتغير مفاجئ على سلوكه يؤدي لإهمال ذاته، أو يكتب وصية بأنه سيقدم على الانتحار.

وأضاف العلي، أن الأهالي إذا رصدوا العلامة التحذيرية فمن الممكن مساعدته في الحد من الانتحار وتحويله لطبيب نفسي، مشيراً إلى أن المختص النفسي سيتعامل مع الشخص المضطرب ويضع له خطة أمن وسلامة، بإبعاد ومراقبة الأدوات الحادة في المنزل، لحين تلاشي الأفكار السلبية لدى هذا الشخص.

إضافة لجلسات التوعية الجماعية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو زيارة المخيمات والمؤسسات والمنشآت، لكيفية تعامل الأهالي مع الشخص الذي من الممكن أن يقدم على الانتحار، وتحويله لجلسات دعم نفسي أو علاج دوائي، أو تزويد الأهالي بالخط الساخن لمحاولة الانتحار، وتأمين الحاجات المفقودة عند هذا الشخص.

وأشار العلي إلى ضرورة ألا يهمل الأهالي أي تلميح أو سلوك يدل على أن هذا الشخص ممكن أن يقدم على الانتحار، ومن الممكن أن يُسأل الشخص بشكل مباشر إذا كان لديه ميول انتحارية، وألا يطلق الأهالي أحكام مثل”أنت شخص قليل دين، أنت تبالغ، أنت لديك ميزات غير موجودة عند غيرك”.

ونبّه إلى ضرورة أن ينتبه الأهالي على سلوك الشخص المضطرب، كأن يقدم على شراء حبة غاز مثلاً، فمن الضروري إزالتها من أجل حمايته.

الأمراض النفسية

ووفق كمال الصوان فإن أكثر الأمراض النفسية شيوعاً هي “اضرابات القلق، المشاكل السلوكية عند الأطفال، الاكتئاب، الاضطراب الثنائي القطب، اضطراب كرب ما بعد الصدمة للأطفال والبالغين”.

وبحسب إحصائية ودراسة بدأت بها منظمة الصحة العالمية عام 2019،وانتهت خلال العام الحالي، أفادت أن شخصاً واحداً من كل 8 أشخاص، أو 970 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، مصابون باضطراب نفسي، وكان القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعاً من تلك الاضطرابات.

وأشارت إلى أن عام 2022، شهد ارتفاعاً كبيراً في عدد من يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب والهلع، حيث تبيّن التقديرات الأولية زيادة في اضطرابات القلق بنسبة 26٪ واضطرابات الاكتئاب الرئيسية بنسبة 28٪ خلال عام واحد فقط كانت نتيجة أضرار نفسية لكوفيد 19 مع تصعيد في الأوضاع المحلية.

قلة في المراكز النفسية

تعد المراكز المتخصصة لعلاج الأمراض النفسية في الشمال السوري قليلة جداً، وغير كافية لتغطية الحاجة لتقديم التدخل المناسب وتقديم العلاج الذي تقتضيه حالة كل شخص، بحسب ما قال كمال صوان.

وأشار إلى أن أعداد المتخصصين في العلاج النفسي وأطباء رأب الفجوة المدربين قد ازداد في العام الماضي، والذين يخضعون لإشراف تقني من قبل أطباء ومدربين عالمين، وذلك بإشراف منظمة الصحة العالمية “WHO”.

ومن وجهة نظر صوان فإن الأوبئة والأمراض المختلفة وانتشارها في المجتمع تعد عاملاً محبطاً لتقدمه وازدهاره، وبحسب دراسات منظمة الصحة العالمية التي أشارت إلى أن انتشار الأمراض النفسية في المجتمع له تداعيات تضعف أساساته وتعزل أفراده، وتعزز مفهوم الوصمة تجاه الأشخاص المصابين بالاضطرابات والأمراض النفسية بل يزيد من وطأتها على الطفل أو على البالغ وتتجه باتجاه أخطر، حيث إنه يمكن أن تؤدي الوصمة الاجتماعية للأمراض النفسية إلى نقص الدعم أو التعاطف مع الأشخاص المصابين بمرض نفسي، مما يترك المرضى محرجين ومهمشين.

ويمكن أن تسبب الوصمة أكثر من مجرد إيذاء المشاعر فقد تؤدي إلى تجاهل الأعراض، مما يؤدي إلى التدهور المرضي وانخفاض جودة الحياة بسبب المرض أو العزلة، وبالتالي تزعزع المجتمع ككل لأنه قائم على الأفراد.

وبحسب صوان فإنه ليس بالضرورة أن يكون الانتحار دليل الأمراض النفسية، بل إن الأمراض النفسية هي سبب من الأسباب المؤدية لإنهاء الشخص حياته، حيث تعتبر الخسارة الاجتماعية، مثل فقدان علاقة قوية، مع إمكانية الوصول إلى وسائل قاتلة، بما في ذلك الأسلحة النارية والمخدرات، وأن يكون الشخص ضحية للتحرش أو التنمر أو الإساءة الجسدية، كذلك الحروب المستمرة والنزاعات والكوارث إضافة إلى الأمراض النفسية الممثلة في الاكتئاب والفصام الشخصية وسوء معاملة الطفولة كلها مسببة للانتحار على حد التعميم.

وناشد فريق “منسقو استجابة سوريا” المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة مساندة المدنيين والنازحين وتأمين المتطلبات الأساسية لهم والتهديدات المستمرة بقطع المساعدات الإنسانية عن المدنيين وتخفيضها بشكل دائم، والعمل على تأمين فرص العمل بشكل دوري للحد من انتشار البطالة في المنطقة.

كما حثَّ بدوره المنظمات الإنسانية على تفعيل العيادات النفسية ضمن المراكز الطبية وتفعيل أرقام خاصة للإبلاغ عن حالات محتملة بغية التعامل معها بشكل عاجل، وذلك لمنع المجتمع المحلي من الانزلاق إلى مشاكل جديدة تضاف إلى قائمة طويلة يعاني منها السكان المدنيون في المنطقة.

وأوصى بإنشاء مصحات خاصة لعلاج مدمني المخدرات في المنطقة، وخاصة بعد انتشار ترويج المخدرات والتعاون مع الجهات المسيطرة بالإبلاغ عن مروجي المخدرات، وخاصة أن متعاطي المخدرات يدخلون بحالة غياب للوعي الكامل وعدم القدرة على اتخاذ القرار أو منع نفسهم من الانتحار.

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار