إعداد: عثمان علي
مشاهدُ مروّعةٌ مُذهلةٌ، صادمةٌ للقلب والروح معاً، مُدْمعةٌ للعيون، يمكن أن يفقد العاقل صوابه، ذلك عندما تدخل مدينة جنديرس (ريف حلب الشمالي)، تبدو كأنك في بداية فيلم من إنتاج هوليوود، استخدم الكاتب فيه أقصى درجات الأكشن.
لكنْ، لأخبرك بصراحة، السوريون أصبحت ذاكرتهم لا تعود بهم إلى أفلام “الأكشن”، لا، إنما إلى مجازر نظام الأسد التي ارتكبها على مدار اثني عشرَ عامًا بكل أنواع الأسلحة، وقد وصل عدد شهداء بعضها إلى 1700 شهيدٍ، وربما بعضهم ذهب ذهنه إلى ما هو أبعد.
نعم، هذا ليس قصفًا إجراميًّا، وليس فيلمَ رعب، إنّما هو زلزال ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال سورية، بقوة 7.8 يوم الاثنين الساعة 4.20 فجرًا، خلّف آلاف المصابين والشهداء، حيث استيقظ الأهالي كأنهم سكارى وما هم بذلك، ولكن الموقف عظيمٌ والمصاب جَلَلٌ.
مدخل جنديرس
عندما تقترب من مدخل المدينة تشاهد الأطفال والنساء والشيوخ يفترشون الأرض تحت أشجار الزيتون، وبقربهم بقايا من مستلزمات الحياة، ومنهم من بدأ بتجهيز مكان ليبيت فيه.
تقترب أكثر، لتشاهد آثار الدمار على يمين الأوتستراد ويساره، هنا يبدأ ازدحام السيارات، المدنية والعسكرية والإسعافية، والسيارات التي تحمل ما تبقى من الأحياء وأثاث المنازل، ذهابًا إيابًا.
داخل المدينة
انتهى الحلم، واستيقظ العقل، وشاهد القلب ما لم تشاهده العين على مدار العمر، مئات البيوت سُوِّيت بأهلها وأصحابها، وقد ناموا، ولهم أحلام وآمال في الغد، لكن قدر الله جاء.
هنا، المدنيّون يبحثون عن أهلهم وذويهم، وعن أحبابهم تحت الأنقاض، رجل يحفر بقلبه عن أبنائه، وامرأة روحها تصرخ للعالَم حتى ينقذ زوجها وأبناءها، وطفل ينظر بعينيه الدامعتين إلى محاولات إخراج والديه من تحت أنقاض منزلهم.
شوارع في المدينة مغلقة بسبب تراكم أنقاض الأبنية، المنقذون يبحثون بين الأنقاض عن عوائل كاملة تحت الأبنية، أصوات سيارات الإسعاف تملأ المدينة، الآليات مكدّسةٌ بالشوارع، تقترب أكثر وتقف فوق الأبنية المدمَّرة فتسمع أنين الضحايا العالقين تحت ركامها.
ستبقى تلك الصور في ذاكرتنا، وتلك الأصوات في مسامعنا، ولن يغيب ذلك أبدًا، المشاعر التي كانت حاضرة فوق تلك الجثث المنتشلة، ودمعات الأطفال والنساء ودماء الشهداء ستبقى في حياتنا لآخر العمر.
روح المبادرة والتعاون
أثبت السوريون أنفسهم في مواجهة الكوارث رغم قلة الإمكانيات وندرتها، طلاب جامعيون، وعمال وأصحاب مصالح في المناطق المحررة، كلهم اتجهوا إلى المناطق المتضررة بالزلزال، ومنها جنديرس المنكوبة، على الطرق المؤدية إلى هذه المدينة ترى سيارات تحمل مساعدات ولوازم حياة، وأخرى تحمل الشباب المتطوع لإنقاذ أهله في تلك المدينة المنكوبة.
مبادرات شعبية انطلقت في عدد من بلدات وقرى الشمال السوريّ لجمع التبرعات للأهالي المتضررين والأسر التي فقدت منازلها وأصبحت في العراء، فرق تطوعية ذهبت وشاركت في عملية الإنقاذ، ومنظمات المجتمع المدنيّ شاركت أيضاً وقدمت ما بوسعها، المجالس المحلية كذلك بادرت وأسهمت بدورها، كلّ ذلك أعطى صورةً مُشْرِقةً- في ظل هذا الجو الكئيب – للتعاون والصور الإنسانية.
المشاركون، وعلى رأسهم الدفاع المدني السوري، واصلوا الليل بالنهار، أنقذوا المئات، وانتشلوا الآلاف، المصيبة كبيرة والإمكانيات ضعيفة، ولكن العزيمة قوية، والهدف كان واضحاً عند هؤلاء الأبطال في المساندة والمساعدة.
لقد وصل عدد الشهداء بحسب الدفاع المدني السوري في آخر تحديثاته إلى 20167 في مناطق شمال غربي سورية، إضافة لآلاف الإصابات، وآلاف من المباني المدمرة بشكل جزئيٍّ أو كليٍّ، منهم 513 حالة وفاة وأكثر من 830 حالة إصابة في جنديرس، والعدد قابل للزيادة بعد.
عظيم الشكر للدفاع المدني السوري، ولكل الفرق والمؤسسات التي شاركت في عمليات الإنقاذ والتطوع لمساعدة الأهالي في المناطق المنكوبة، والعزاء لنا جميعًا، وللذين فقدوا أهلهم وأحبابهم في الشمال السوري وجنوب تركيا.