أثارت زيارة الأسد إلى الصين العديد من التساؤلات حول جدوى هذه الزيارة وهل هناك مصالح مشتركة بين الصين وسورية؟ ولماذا استقبلت بكين رئيساً في العرف السياسي منتهي الصلاحية، والذي يعاني منذ حوالي عقد من الزمن من عزلة دولية.
وهل ما دفع الصين للاهتمام بزيارة الأسد – كما روج إعلام النظام – موقع سورية الإستراتيجي بالنسبة للصين نظراً لموقعها الجغرافي بجوار العراق، إذ يأتي منه نحو 10% من النفط الصيني، وبجوار تركيا التي تمثل نهاية الممرات الاقتصادية الممتدة عبر آسيا إلى أوروبا.
وهل جاءت الزيارة في إطار الدور المتنامي لبكين في المنطقة؟ حيث تحاول الترويج لخطتها “طريق الحرير الجديدة” المعروفة رسميًا بـ”مبادرة الحزام والطريق”، وهي مشروع ضخم من الاستثمارات والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وإفريقيا، والتي انضمت سورية إليها في يناير 2022.
وهل ما وقعه نظام الأسد مع بكين من اتفاقيات والتي سميت بـ “الشراكة الإستراتيجية” يمكن ترجمتها على أرض الواقع في ظل ما تعانيه سورية من وضع أمني غير مستقر، والحالة الاقتصادية المتهالكة، وفي ظل الفساد المستشري في جميع مؤسسات وكيانات النظام، حيث احتلت سورية المرتبة قبل الأخيرة بعد “الصومال” في قائمة مؤشر الفساد العالمي لعام 2022، وفقاً للتقرير السنوي الذي أصدرته “منظمة الشفافية الدولية”.
وفي محاولة للإحاطة بمخرجات الزيارة والاجابة على ما طرح من تساؤلات، حاورت الوكالة المستشار الاقتصادي ورئيس “مجموعة عمل اقتصاد سورية” الدكتور “أسامة القاضي”:
عن أهمية زيارة رأس نظام الأسد للصين اعتبر “القاضي” أنّ الزيارة لا تعدو عن كونها سياحة، وإعلامية ليرسل للعالم رسائل يثبت من خلالها أنّ لديه خيارات وقادر على التنقل والخروج من العزلة، مع أنه خرج من العزلة بلقاء الزعماء العرب بقمة جدة وإعادة مقعد سورية له، ولكن دون فائدة.
وتأكيداً لذلك الأسد لم يصطحب معه الوزراء أو مدراء غرف الصناعة والتجارة ورجال الاعمال، بل آثر على اصطحاب أولاده وزوجته “أسماء الأخرس” التي تمثل ما تبقى من الاقتصاد السوري، والتي استولت على أموال ابن خال زوجها “رامي مخلوف” ومجموعته الاقتصادية، ومؤسسات الاتصالات “سيرياتيل” و”MTN”، وباتت تدير دفة الاقتصاد بمؤسسة سرية لبناء امبراطوريتها الاقتصادية.
وإجابة عن سؤال إن كان هناك مصلحة حقيقية للصين في سورية؟ أكد على عدم وجود منفعة للصين في سورية لعدد من الأسباب:
أولها: الصين لا تدخل بلد غير مستقر أمنياً، ولا وجود لسيادة حقيقية من نظام الأسد وحكومته في ظل وجود أربع جيوش أجنبية على أراضيه، وفيه 830 نقطة وقاعدة عسكرية أجنبية، ويسود فيه فساد مستشري، إضافةً للسمعة “السيئة” لهذا البلد الذي يعتبر عاصمة للكبتاغون.
ثانياً: البلد غير آمن وغير مستقر سترتفع تكاليف التأمين البحري عند مرورها في موانئه، فعندما يكون المرفأ في بلد غير آمن وتمر البضائع والشحنات منه، ترفع شركات التأمين تكاليف التأمين وهذا يرتب تكاليف إضافية على شحن البضائع، وهذا ما لا ترغب به الدول التي تود نقل البضائع وتبحث عن طرق بديلة أكثر أماناً.
ثالثاً: الصين تهتم بالموانئ، والموانئ الثلاث تحت السيطرة الروسية والاتفاقية الموقعة مع النظام لتأجير الموانئ لمدة 49 عاماً تمدد تلقائياً لمدة 25 عاماً، وللروس حق في البحر وسطح البحر، فإذا أرادت الصين أن تفاوض فعليها مفاوضة الروس لأنهم الوكلاء الحصريون للموانئ.
وفي هذا السياق نبّه “القاضي” إلى أمر في غاية الخطورة، وهو أنه لم يبقَ من الأصول السيادية في سورية تحت سيطرة حكومة النظام إلا وتم السيطرة عليها، من خلال عقود استثمار طويلة الأجل من قبل روسيا وإيران، فهناك عقود تنقيب عن النفط مع روسيا، وأيضاً حقول الغاز والفوسفات والموانئ مع روسيا، وأرغمت روسيا النظام على توقيع 60 اتفاقاً اقتصادياً يمنح روسيا السيطرة الكاملة للعشرات من الأصول السيادية لفترات تجاوزت السبعين عاماً، وهذا يؤكد توغل روسيا في المؤسسات السورية وسيطرتها واقعياً على الأرض، فروسيا تنطلق من مصالحها فقط بعيداً عن أثر الاتفاقات على حقوق السوريين بثرواتهم التي تتبدد، لأنها تعدت التبادل التجاري ووصلت إلى السيطرة على أهم ثروات البلاد، وهذا مخالف لمبدأ السيادة ونظام المعاهدات وأصول القانون الدولي التي تأخذ فائدة كلا الطرفين بالحسبان، بل هي أقرب لاتفاقات الإذعان التي تريد روسيا القول، من خلالها إنها تسيطر على سورية وهي صاحبة القرار على الأرض، وما تبقى تم الاستيلاء عليه من إيران من خلال توقيع 51 اتفاقية.
رابعاً: الصين عندما ترغب في الاستثمار في بلد ترجو الاستفادة منه على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي، وهذا غير متوفر في سورية البلد المنهك على كافة الأصعدة، البنى التحتية مدمرة، والاقتصاد منهار، ومستوى الفقر وصل لمستويات قياسية، ولا يمكن أن تدخل لتغرق نفسها بأزمات هي بغنى عنها، فهي تقيم علاقات وشراكات اقتصادية مع دول مستقرة وغنية كالمملكة العربية السعودية، والتي وقعت معها اتفاقيات لاستخدام تكنولوجيا الجيل الخامس من هواوي، وكما سعت لاستثمار قناة السويس في مصر، وغيرها من البلدان الأفريقية المفيدة لاقتصادها.
إضافة لوجود العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وهي التي تنأى الشركات عادة ولو كانت صينية أن تخوض تجارب استثمار تحفها المخاطر، وخاصة الشركات الكبيرة التي لها فروع في معظم الدول.
أما ما يدور الحديث عنه من إعادة طريق الحرير بمسمى “الحزام والطريق” فلن يكون هناك دور لسورية فيه _حسب القاضي_ إلا في حال انتهاء الأزمة وإعادة الأمن والاستقرار لسورية واستعادة السيادة للسوريين، وهذا مستبعد في المستقبل المنظور وقد يستغرق سنين طويلة، ولهذا قد يكون فرصة عودة الاستثمار لهذا البلد شبه معدومة.
وقال “القاضي” إنَّ إعلان رئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي” عن إطلاق مشروع الممر الاقتصادي الضخم بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو شراكة عملاقة تضم الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة، هو بمثابة إعلان “خلع” من قبل الهند لمنظومة بريكس غير المتجانسة، كما تعلن “بداية النهاية” لمشروع “الحزام والطريق” المتعثر أصلاً لأنَّ الصين لم تعد قادرة مالياً على توسيع المشروع.
وأشار القاضي إلى أنّ من يطبلون للصين ويعتبرونها قوة عظمى نزيهة، ولا تملك نية استعمارية وتحقيق نفوذ لها في البلدان التي تدخلها كالإمبريالية الأمريكية والغربية عموماً، أنّ هؤلاء مخطئون فلقد استولت الصين على 34 ميناء ومطاراً حول العالم، بأفخاخ الديون للدول الفقيرة والتي تمثل “الامبريالية الصينية” المتوحشة، حيث تقوم بإقراض الدول الفقيرة لإقامة مشاريع بنية تحتية كالمطارات والموانئ، وعند تعثر تلك الدول عن السداد تستولي الصين على المنشآت بعقود استثمار طويلة الأجل، والتي سببت قلاقل سياسية في تلك الدول الفقيرة.
وعن موضوع كسر عزلة نظام الأسد والتي روج لها مؤيديه، قال “القاضي” إنّ العزلة انكسرت حين عاد النظام للجامعة العربية وزار الأسد جدة والتقى بالزعماء العرب، ولكن لم يتحقق أي انفراج على المستوى الاقتصادي بل على العكس تدهور سوق تصريف الليرة السورية ونزل من 8000 لليرة السورية مقابل الدولار إلى 13000 ليرة، ولن تكون لزيارة الأسد للصين أي تأثير على الواقع المعيشي للناس، ولاسيما هناك مطالبات من إيران لاسترداد ديونها والتي تجاوزت الـ 50 مليار دولار أمريكي، ولا نعلم كم من الدين لروسيا على نظام الأسد.