وكالة سنا – خاص
شهدت منطقة إدلب وغرب حلب هدوءاً نسبياً طيلة الثلاث سنوات الماضية، بعد اتفاق خفض التصعيد الذي جاء في إطار تفاهمات أستانا بين تركيا وروسيا، بعد عملية عسكرية واسعة النطاق أطلقتها قوات الأسد في مطلع 2020، سيطرت بموجبها على مناطق واسعة من أرياف حلب وإدلب وحماة، وتسببت بتهجير نحو مليون نسمة من سكان تلك المناطق.
وفي مطلع الشهر الحالي في 5 تشرين الأول، صعَدت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية من قصفها على الشمال السوري، لتكسر قاعدة الهدوء النسبي، وتستهدف بقذائف المدفعية والصواريخ قرى وبلدات جنوب وشرق إدلب وغرب حلب، وبمشاركة من الطيران الحربي الروسي.
فالحال لم يستقر بأهالي المنطقة، فعاودت قذائف وصواريخ قوات الأسد لتهجر عشرات الآلاف من العائلات من قرى وبلدات جبل الزاوية وسرمين والنيرب وآفس، وتجبرهم على ترك منازلهم وأراضيهم وأرزاقهم.
قصفت قوات الأسد من تاريخ 4 تشرين الأول الحالي إلى 16 تشرين الأول بالمدفعية الثقيلة والصواريخ من الراجمات الأرضية وقصف الطيران الحربي الروسي 1,400 موقعاً في محافظة إدلب والأرياف المتصلة بها من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وأدى القصف إلى مقتل 53 مدنياً منهم 13 طفلاً و3 نساء، وإصابة 310 مدنياً منهم 77 طفلاً و53 امرأة، واستهدف القصف 6 مخيمات للنازحين و16 مدرسة وكليتين جامعيتين و3 أسواق شعبية مكتظة بالمدنيين ومسجداً ومحطة كهرباء مدينة إدلب و23 مشفى ونقطة طبية ومكاتب 3 منظمات إنسانية وأكثر من 200 مبنى حكومي، واستهداف مكاتب المنظمات الذي أدى لمقتل 3 عامليين إنسانيين وعلقت 20 منظمة إنسانية أنشطتها، بحسب ما قال ماهر الهديب مدير قسم المعلومات في وحدة تنسيق الدعم.
قرابة 36 ألف نازح
وأضاف الهديب في حديثه مع وكالة سنا، أن باحثو وحدة تنسيق الدعم تمكنوا من تتبع حركات النزوح لـ 35,949 نازحاً لجأ 12,625 منهم إلى مخيمات النزوح في شمال إدلب، ويوجد 16 مركزاً لاستقبال النازحين، والتي أصبحت مكتظة بالنازحين.
وتوجه القسم الأكبر من النازحين إلى نواحي معرة مصرين والدانا ودارة عزة وأرمناز، منبهاً إلى أن قسماً كبيراً من النازحين استقر لدى عائلات مضيفة، وفي مراكز السكن الجماعي ومخيمات النزوح.
وعن احتياجات النازحين من مناطق التصعيد الأخير قال الهديب: إن أكثر المواد والمتطلبات إلحاحاً، هي توفير الدعم العاجل لمراكز الاستقبال التي أصبحت مكتظة جداً، مشيراً إلى أن بعض العائلات فضلت البقاء تحت القصف بسبب عدم توفر الدعم المناسب في مراكز الاستقبال، والخصوصية للنساء والحمامات المناسبة.
إضافة لضرورة توفير مواد المأوى من خيم وفرشات وبطانيات والمواد الغذائية والخبز، وتأمين القسائم النقدية حيث يصبح النازحون في أشد الحاجة للأموال، وخصوصاً بسبب توقف مصادر رزقهم، وحتى أن بعض الموظفين لا يتلقون رواتبهم إلا كل عدة أشهر، خاصة المدرسين منهم.
وتوفير المياه النظيفة وتجهيز الحمامات، وتأمين وسائل التعليم البديلة في حال استمرار تعليق الدوام المدرسي وتوفير الدعم النفسي الاجتماعي للمتأثرين بالأعمال العسكرية وخصوصاً الأطفال.
وتوفير خط ساخن لتأمين السيارات لنقل النازحين من الأماكن المعرضة للقصف، والذي يأتي في ظل المعاناة الكبيرة، وتدهور الأوضاع الإنسانية، حيث لا تستطيع الأسر توفير مصاريف للانتقال لأماكن آمنة.
وأشار الهديب إلى أنه في حال استمر التصعيد العسكري، يجب العمل على إنشاء مراكز آمنة لاستقبال النازحين، حيث إن الطاقة الاستيعابية لمراكز الاستقبال ضعيفة جداً، وهي مجهزة لاستقبال العائلات لعدة أيام فقط.
الوضع الطبي
قال الهديب إنه يجب حشد المزيد سيارات الإسعاف وسيارات نقل الجرحى والتحويل الطبي، الحاجة للمزيد من الكوادر الطبية خصوصاً الجراحين والممرضين، وإدخال المزيد من العدد الجراحية وعدة الإسعاف الأولي.
كما أن منظومة الإسعاف جداً ضرورية للوصول إلى مشافي مجهزة لتقديم الأعمال الجراحية، حيث تفقد الكثير من الحالات الحرجة أرواحهم بسبب تأخر وصولهم لمشافي قادرة على إنقاذ أرواحهم.
وأفاد أنه يوجد 19 مشفى مجهزاً لاستقبال المرضى، إلا أن 5 مشفى أوقفت استقبال الحالات الباردة وغير الحرجة.
كما علق عدد من المشافي والمراكز الطبية نظام الإحالة للنساء الحوامل وحديثي الولادة مما أجبر هذه الحالات على تحمل أعباء إضافية للوصول إلى مشافي أبعد ووضع المشافي الأخرى لضغط إضافي.
وأشار إلى أن المشافي في مدينة إدلب تعتمد على المولدات الخاصة لتوليد الكهرباء بسبب تضرر محطة الكهرباء الرئيسية وانقطاع التيار الكهربائي مما يشكل حاجة ماسة لتوفير الدعم بمادة الوقود.
كما توقفت بعض مراكز غسيل الكلى عن تقديم الخدمات وواجه المرضى صعوبة في الوصول إلى المراكز البعيدة وضغطاً متزايداً على المراكز التي ما تزال تعمل.
ونَبه الهديب إلى أن ما يميز هذه الحملة العسكرية من قوات الأسد أنها تستهدف المنشآت الطبية التي تستقبل المصابين، حيث إن المشافي التي تعلن جاهزيتها للعمل يتم قصفها بشكل مباشر، فبمجرد ما أعلن المشفى الوطني في إدلب جاهزيته للعمل تم قصفه، كما أعلن مشفى الكنانة جاهزيته للعمل أيضاً، وتم قصفه.
وفيما يخص إدخال الحالات الطبية إلى تركيا قال ماهر: إن ادخال الحالات الطبية الحرجة إلى تركيا أصبح أكثر صعوبة بعد الزلزال المدمر، بسبب الاستطاعة الاستيعابية المحدودة للمشافي التركية في الجنوب التركي لذلك يتم التوجه لتأمين العلاج في الداخل السوري.
حيث تبقى الحاجة ملحة للإصابات العصبية والوعائية وبعض الإصابات التي تحتاج مختصين وأجهزة تقنية مثل الإصابات العينية.
شهدت المنطقة حركة نزوح إلى القرى والبلدات الآمنة نسبياً والبعيدة عن مناطق القصف الذي بدأ في 5 تشرين الأول الحالي، بعد ساعتين من التفجير الذي استهدف حفل تخرج ضباط الكلية الحربية بحمص، فقامت بعض المنظمات الإنسانية بتجهيز عدد من الخيم ومراكز الايواء، والتي كانت مجهزة مسبقاً لمتضرري الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 شباط الماضي.
يشار إلى قوات الأسد مستمرة باستهداف قرى وبلدات إدلب وغرب حلب، رغم إعلان حكومة الإنقاذ بإدلب عن هدنة وتوقف علميات القصف في المنطقة، كما أن نسبة كبيرة من أهالي القرى والبلدات الذين نزحوا لم يعودوا اليها، خشية استمرار التصعيد.