زار وفد من المجتمع المدني السوري العاصمة الأوكرانية كييف، الجمعة 25 آب، وحضر سلسلة من الاجتماعات الرسمية مع مسؤولين رفيعي المستوى وقياديين من المجتمع المدني الأوكراني، اختتمت بالمشاركة في القمة الثالثة لمنصة القرم والحديث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
جاءت الزيارة تزامنًا مع الذكرى العاشرة لمجزرة الأسلحة الكيميائية التي ارتكبتها قوات نظام الأسد في سورية 2013، وفي إطار الدعوة إلى المساءلة عن جرائم الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتي شجعها الإفلات من العقاب على الجرائم الماضية والمستمرة في سورية.
نقل الوفد رﺳﺎﻟﺔ ﺗﻀﺎﻣﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻹﻓﻼت ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب ﻓﻲ أوﻛﺮاﻧﻴﺎ وﺳﻮرية، ﻣﺆﻛﺪﻳﻦ “أن ﺷﻌﺐ ﺳﻮرية اﻟﺤﺮ ﻳﻘﻒ ﺿﺪ اﻟﺠﺮاﺋﻢ اﻟﻤﺮﺗﻜﺒﺔ ﻓﻲ أوﻛﺮاﻧﻴﺎ وﻣﻊ ﺷﻌﺒﻬﺎ، ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻌﺎرض ﻣﻊ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﻮري اﻟﺪاﻋﻢ ﻟﺮوسيا”، وفق بيان صادر عن الوفد.
وذكر الوفد أنه قام بعدة أنشطة من ضمنها، حضور القمة الثالثة لمنصة القرم، حيث يجتمع ممثلو الدول من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك رؤساء الدول، لمشاركة رسائل التضامن مع أوكرانيا.
وعقد الوفد لقاءً رسمياً مع المدعي العام الأوكراني أندريه كوستين وفريقه المسؤول عن ملفات جرائم الحرب المختلفة والتعاون الدولي والضحايا، وعبّر خلال كلمة له عن تضامنه مع السوريين، مشيراً إلى الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحقهم.
وحول أهمية الزيارة، قال الطبيب سليم نمور، رئيس رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية لوكالة سنا، إن الأهمية تكمن في المجموعة السورية التي زارت كييف، وهم أشخاص يمثلون منظمات ومؤسسات سورية، متعددو الثقافات والأعمار والتخصصات، وتمكنوا من تشكيل فريق عمل قادر على إرسال الرسائل، والتي أهمها هو “رسائل التضامن وللتذكير بمعاناة الشعب السوري”، من خلال توقيت الزيارة، في ذكرى مجزرة الكيماوي في الغوطة 2013.
وأضاف نمور، أنه لا أحد ينكر موجة التعاطف والتركيز الإعلامي على أوكرانيا، كما تزامنت الزيارة مع اجتماع منصة القرم، الذي يستقبل سياسيين وإعلاميين للتركيز على القضية الأوكرانية، وبإمكاننا أن نصنع شيئاً من خلال التذكير بالقضية السورية من هذا المنبر.
وأشار نمور إلى أن الأهمية تكمن أيضاً في برنامج الزيارة بحد ذاته، الذي شمل زيارة مشفى ماريوبل، ورأينا أن القصة مكررة بالمشافي السورية، التي عانى فيها الناس من الحضار والتهجير، ومن ثم الإصرار على العمل، بتفعيل المشفى بمكان آخر، وهذه التجربة مر فيها السوريون بمختلف المناطق، ولمسنا من الأوكران تفهماً كبيراً بأننا نواجه عدواً مشتركاً، فتفاصيل الجريمة متشابهة بين سورية وأوكرانيا بحق المدنيين.
فعند زيارة منطقة بوتشاي، التي ارتكب فيها الروس مجزرة مريعة بحق المدنيين، تفاصيلها تشبه تمامًا ما حدث في الحولة وداريا، كما زرنا مركزاً معنياً بالدفاع عن المعتقلين والمختطفين الأوكران لدى روسيا منذ 2014.
وفي مسار المساءلة ومنع الإفلات من العقاب، سواء لجرائم الكيماوي أو الجرائم الأخرى، الذي هو عنواننا العريض، كان من الضروري لقاء المدعي العام الأوكراني، الذي يتابع جرائم الحرب الروسية على أوكرانيا، لدى المحكمة الجنائية الدولية، كما أنه يفتح أفقاً كبيراً بالنسبة للقضية السورية، ويفتح هوامش من العمل المشترك.
وختم محدثنا، أن جزءاً من برنامج الزيارة هو تقديم هدية رمزية للرئيس الاوكراني، وهي عبارة عن مفتاح العودة على شكل زهرة الحقيقة وبلون العلم الأوكراني، وتخليدًا لذكرى ضحايا مجازر الكيماوي في سورية، وخوذة أحد شهداء الدفاع المدني، فالهدية لها رمزية واضحة، وقبلها الرئيس زيلينسكي.
وأعرب نمور عن أمله بأن يكون الوفد قد وضع رسالة في المكان والزمان الصحيحين، وينجح من خلالها بالتفكير بعمل مشترك أكبر في المستقبل.
من جهتها، قالت عفراء هاشم وهي مهجرة من مدينة حلب وعضو مجلس إدارة في حملة “لا تخنقوا الحقيقة”، لوكالة سنا، إن الزيارة كانت مهمة للتعريف بالمأساة السورية، والتعريف بالعدو الروسي ودعمه للأسد، فأغلب الأوكرانيين لا يعرفون أن سورية انقسمت لقسمين مع النظام ومع المعارضة.
وأضافت، بلقائنا مع المدعي العام الأوكراني عرضنا عليه الوثائق والانتهاكات التي ارتكبتها روسيا في سورية، وقلنا له إن سياسة الروس في أوكرانيا، نفسها استخدمتها في سورية، مشيرة إلى الاستعداد للتعاون في سبيل محاكمة الروس على جرائمهم.
رمزية اللقاء
و قال إبراهيم علبي “رئيس الوفد” في تصريح خاص لوكالة سنا، إن هذه الزيارة هي الأولى من نوعها، من قبل وفد من المجتمع المدني السوري، والتقى بأهم الشخصيات في أوكرانيا ومنهم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينيسكي، فرسالة التضامن كانت جدًا مهمة في هذا السياق، الأهمية الكبيرة لرمزيتها واللقاءات التي أجريناها في أوكرانيا.
وأضاف علبي الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة البرنامج السوري للتطوير القانوني والمجلس السوري البريطاني، أنه على المستوى التقني، فتحنا خطوط تواصل بين مكتب المدعي العام الأوكراني مع روابط الضحايا والناجين والناجيات ومع الكوادر الطبية التي تعمل على مناصرة عدم قصف المشافي، للتنسيق على حملات مشتركة ضمن هذا الموضوع.
وقال مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح حول الزيارة، “إن روسيا منذ تدخلها في سورية دأبت على استهداف البنى التحتية والعاملين في المجال الإنساني وانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني وتطبيق سياسة العقاب الجماعي وتدمير المدن ومحاصرتها”.
من جانبه، قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، “إنه خلال الزيارة سلمت قائمة بأكثر من سبعة آلاف من الضحايا السوريين الذين قتلوا على يد الجيش الروسي.
المدعي العام الأوكراني يعلق على الزيارة
وفي تعليقه على زيارة الوفد السوري لأوكرانيا، قال المدعي العام الأوكراني أندريه كوستين في تغريدة له على منصة “X” (تويتر)، “تداولنا مع قادة المجتمع المدني السوري، إستراتيجيات عالمية لمحاسبة روسيا على جميع جرائمها الدولية، ومن الناحية الرمزية، التقينا بعد 10 سنوات بالضبط من الهجوم الكيميائي المروع في الغوطة”.
وأضاف كوستين، “إن تواطؤ روسيا في مذابح المدنيين في سوريا وخارجها يتطلب رداً دولياً حازماً، وأنا ممتن للقانوني إبراهيم علبي، لجهوده غير العادية في جمع الأدلة للتقاضي الوطني والدولي وتعزيز التحقيقات في جرائم روسيا في الدول الثالثة.
وأشار المدعي العام إلى أن روسيا على مدى ما يقارب من ثلاثين عامًا، ارتكبت أعمالًا شنيعة في الشيشان، وجورجيا، وأوكرانيا، وسوريا، ومن المؤسف أن قيادتها ظلت حتى الآن غير خاضعة للمساءلة إلى حد كبير، و الأمر نفسه ينطبق على أعضاء وقادة التشكيلات العسكرية، مثل مجموعة فاغنر.
ونبّه إلى أنه يجب على العالم أن يضع حدًا لهذا الإفلات من العقاب، مشيرًا إلى أن المفتاح إلى هذه الغاية يتلخص في بناء شبكة شاملة من المساءلة المبينة في صيغة السلام في أوكرانيا، والتي تتراوح بين التحقيقات الوطنية وتأمين المسؤولية عن جريمة العدوان على المستوى الدولي وضمان التعويضات.
زيارات ورسائل تضامن
وأجرى الوفد عدة لقاءات أخرى أكد خلالها على الجرائم التي ارتكبتها روسيا بحق السوريين، وما ترتكبه حالياً من جرائم في أوكرانيا.
وزار الوفد النصب التذكاري لمجزرة بوتشا التي ارتكبها الجيش الروسي في شباط ٢٠٢٢، والتي أدت إلى مقتل نحو ٤٥٨ مدنياً.
كما زار مستشفى ماريوبول الذي تم نقله إلى كييف بعد تدميره، وتم لقاء روابط أهالي المختفين قسرياً والسجناء السياسيين المختطفين والمعتقلين من قبل روسيا.
وتم خلال اللقاء تبادل التضامن واستعراض التجارب الشخصية والدروس المستفادة من سورية وأوكرانيا كأساس لحملة تضامن مشتركة تطالب بالعدالة لجميع المعتقلين السياسيين حول العالم.
والتقى الوفد الصحفية الأوكرانية الرائدة والحائزة على عدة جوائز، ناتاليا جومينيوك، التي غطت في السابق أحداث الربيع العربي، بما في ذلك سقوط حلب.
وختم الوفد الجولة بزيارة ميدان الاستقلال في كييف، والذي كان موقعًا رئيسيًا لمقاومة أوكرانيا ضد الأنظمة الاستبدادية السابقة.
وجدّد الوفد التزامه بمواصلة النضال من أجل بناء سورية ديمقراطية تقوم على سيادة القانون وحقوق الإنسان.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الانسان، فإن هذا التعاون يشكل رسالة سياسية مهمة إلى دول العالم بأن “المحاسبة لا تتجزأ وبأن النظام الروسي تدرج في انتهاك القانون الدولي منذ غزو جورجيا في عام 2008، إلى غزو القرم في عام 2014، إلى غزو سورية في عام 2015، إلى غزو أوكرانيا في عام 2022”.