إيناس ضيف – ستيفاني كينيتش
خاص: الوكالة السورية للأنباء – ترجمة: د. عامر المصطفى
يبدو أن منظمة غير حكومية فرنسية مرخصة لها صلات بالجيش الفرنسي واليمين السياسي المتطرف قامت بتحويل الأموال مباشرة إلى ميليشيا سورية تدعم نظام الرئيس بشار الأسد ومتهمة بارتكاب جرائم حرب، في انتهاك للقانون الدولي والفرنسي.
وتشمل الأدلة (التي تم جمعها على مدار 18 شهرًا من التحقيق في عدد من البلدان) المستندات المسربة، والشهادات السرية من المبلغين عن الانتهاكات، والمعلومات التي تم جمعها من مصادر مفتوحة تظهر علاقة عمل وثيقة ودعمًا مستمرًا وجهود جمع الأموال في فرنسا من قبل المنظمة غير الحكومية، والمعروفة باسم (SOSCO)، لصالح الميليشيات الموالية للأسد منذ عام 2014. وتشمل الأدلة أيضًا تتبع مسار التحويلات المالية والتي يمكن أن ترتقي إلى جرائم يمكن مقاضاة مرتكبيها بموجب القانون الفرنسي، وفقًا لخبراء قانونيين فحصوا الملف.
حتى العام الماضي، تم اختيار SOSCO “شريكًا” لوزارة الدفاع الفرنسية، وهو امتياز مخصص عادةً لشركات مثل مقاولي الدفاع ذوو المكانة العالية. وكانت SOSCO هي المنظمة غير الحكومية الوحيدة التي عملت في الشرق الأوسط من 2015 إلى أوائل 2020. كما دفعت مزاعم سوء سلوك منظمة SOSCO العديد من المسيحيين السوريين – نفس المجتمع الذي تدعي المنظمة أنها تساعده- على اتهامها باختلاس الأموال من المساعدات الإنسانية المزعومة، والإعلان المضلل خلال حملتها لجمع التبرعات، وتأجيج التوترات الدينية والطائفية بين السوريين خلال الحرب الوحشية في البلاد.
لقد قدم نظام الأسد نفسه على أنه “حامي الأقليات” منذ الأيام الأولى للانتفاضة السورية التي تحولت إلى حرب عندما وصف الأسد المتظاهرين السلميين بأنهم “إرهابيون” وشرع في تصعيد استخدام القوة المميتة ضدهم. مع اتساع الحرب، أثارت دعاية النظام غضب الغالبية السنية المعارضة للأسد علناً، وحرضهم النظام ضد الأقليات الدينية في البلاد والتي يدعى أنهم حلفاء مقربون له. ومع ذلك، قام النظام بسجن وتعذيب المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى التي عارضته بوحشية. واستغلت منظمة سوسكو هذه الرواية الدينية الكاذبة والمثيرة للانقسام والتفرقة، وكان لهذه الديناميكية تأثير كبير في خلق الانقسام على أسس دينية أو طائفية. ولقد تم توثيق العلاقة البغيضة بين SOSCO وميليشيات نظام الأسد الوحشية المتمركزة في محافظة حماة السورية.
ويُظهر تحقيق نيوزلاينز أن SOSCO تقوم بتحويل مئات الآلاف من اليوروات سنويًا من فرنسا وأماكن أخرى إلى سوريا مع ظهور تحايل على العقوبات الدولية المفروضة على سوريا من خلال تحويل الأموال من خلال مؤسسات مالية وسيطة موجودة في العراق ولبنان حيث تمتلك SOSCO مكاتب إقليمية هناك. وإن الأدلة الأكثر إدانة التي يُزعم أنها تربط SOSCO مباشرة بالميليشيات الموالية للأسد المتهمة بارتكاب جرائم حرب هي فواتير تم تسريبها إلى نيوزلاينز من قبل المبلغين عن المخالفات، وتتضمن فواتير تم تزويرها على ما يبدو لخداع المدققين والمراقبين في فرنسا، والذين صرحوا خلال جلسات الاستماع العامة الروتينية للمنظمات غير الربحية في فرنسا أنهم وجدوا أن سجلات SOSCO المالية تشير إلى التبادل المباشر لما يقرب من 46000 يورو (56000 دولار) نقدًا من SOSCO أٌعطيت إلى سيمون الوكيل، قائد ميليشيا إحدى قوات الدفاع الوطني سيئة السمعة التابعة لنظام الأسد ومقرها في بلدة محردة ذات الغالبية المسيحية.
وتتكون قوات الدفاع الوطني من شباب سوريين جندهم وسلّحهم نظام الأسد في البداية بذريعة حفظ القانون والنظام والدفاع عن الأحياء المحلية خلال الحرب الوحشية في سوريا. لكن بعد أشهر من الحرب، تم حشد الدفاع الوطني في جميع أنحاء سوريا للانضمام إلى جيش نظام الأسد في تنفيذ هجمات عسكرية داخل المناطق التي يسيطر عليها المعارضة. وفي عام 2019، تم دمج العديد من ميليشيات الدفاع الوطني، بما في ذلك تلك التي ترتبط ب SOSCO بعلاقة وثيقة، رسميًا في وحدات عسكرية سورية مدعومة من روسيا. قبل ذلك – وفي وقت مبكر من عام 2012 – كان العديد من الميليشيات يتلقون تدريبات عسكرية ورواتب شهرية نقدًا من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني (IRGC).
وجمعت نيوزلاينز صورًا ومنشورات من مصادر مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي توثق العلاقات الوثيقة بين ميليشيا سيمون الوكيل والحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك صورة يلتقطها مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني. وتُظهر المعلومات أيضًا علاقة الوكيل الوثيقة بالقادة الروس المتمركزين في قاعدة حميميم. وفي أوائل عام 2020، حصل الوكيل وشريكه نابل العبد الله، قائد قوات الدفاع الوطني في السقيلبية، على “وسام الولاء” الجديد من القوات الروسية المتمركزة في قاعدة حميميم الجوية.
ويوثق تحقيق نيوزلاينز كذلك عددًا لا يحصى من جرائم الحرب السابقة والحالية التي يُزعم أن ميليشيا سيمون الوكيل ارتكبتها خلال علاقتها مع SOSCO. ووفقًا للمحامي لورنس جريج (محامي متخصص في حقوق الأنسان)، إن هذه الأدلة الإضافية – جنبًا إلى جنب مع علاقة SOSCO بميليشيا الوكيل – تسمح أيضًا للقضاء الفرنسي بمحاكمة سيمون الوكيل وميليشياته على جرائم ضد الإنسانية مزعومة، حتى لو غيابيًا.
ونشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الصور لعناصر من منظمة SOSCO يظهرون برفقة الوكيل وميليشياته، وهم يرتدون زيا عسكريا ويلوحون بالسلاح، في مواقع عسكرية مختلفة في محافظة حماة وبلدة محردة، بما في ذلك ساحة دير القديس جاورجيوس التي حولها نظام الأسد إلى ثكنة عسكرية، في انتهاك للقانون الدولي والأعراف المتعلقة بحماية دور العبادة.
ولقد جمعت نيوزلاينز إفادات من سوريين قالوا إنهم كانوا في الطرف المعرض للقصف اليومي الذي تشنه القوات الموالية للأسد، بما في ذلك ميليشيات سيمون الوكيل، من أسلحة الثكنة العسكرية التي تمركزت على أرض دير محردة والذي يقع أعلى البلدات والقرى المحيطة به والمناوئة للأسد. وأسفرت هذه الهجمات، إلى جانب الهجمات الجوية من قبل نظام الأسد والقوات الروسية لاحقًا، عن مقتل آلاف الأشخاص، العديد منهم من المدنيين الذين كانوا يعيشون في محيط محردة في منطقة زراعية كانت في يوم من الأيام موطنًا لمئات الآلاف من السوريين نزح العديد منهم منذ ذلك الحين إلى مخيمات اللاجئين في شمال سوريا أو في الخارج. وقد استحوذ نظام الأسد والميليشيات، بما في ذلك الوكيل، منذ ذلك الحين على آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية المملوكة ملكية خاصة للسكان النازحين مع عدم وجود خطة لإعادة المزارع والمنازل إلى أصحابها الشرعيين، بما في ذلك أناس من نفس المجتمع المسيحي الذين ادعت منظمة SOSCO أنها تجمع له التبرعات في فرنسا. ومليشيا سيمون الوكيل متهمة أيضاً بخطف وتعذيب وقتل الذين تصدوا لها، ولقد ورد في ملفات قيصر صور لثلاث حالات ممن تمت تصفيتهم على يد ميلشيا سيمون الوكيل.
تأسست SOSCO في فرنسا في أكتوبر 2013، وقبل وقت قصير من مهمتها الأولى، والتي أطلق عليها اسم “عيد الميلاد في سوريا”، كان هدفها المعلن هو تقديم المساعدة للمسيحيين في الشرق الأوسط حيث أصبحت أجزاء من المنطقة منخرطة بشكل متزايد في أعمال العنف التي أعقبت الربيع العربي. لكن في وقت مبكر من أيامها الأولى، ابتعدت منظمة SOSCO عن دعم المجتمعات المسيحية بالمساعدة الإنسانية والدعم المعنوي الذي دعت إليه في الأصل لترويج أجندة سياسية يمينية ونشر معلومات مضللة، وفقًا لمؤسس المنظمة الأصلي، أوليفييه ديموك، الذي غادر المنظمة لاحقاً. وفي مقابلة مع نيوزلاينز، أعرب ديموك عن أسفه لاستخدام “الدعاية الكاذبة” من قبل كبار النشطاء في SOSCO منذ عملية “عيد الميلاد في سوريا”.
وحسب موظف سابق في المنظمة، من الواضح أن حملات جمع التبرعات SOSCO لصالح محردة كانت ناجحة للغاية لدرجة أن “الجميع غض الطرف على الرغم من معرفة أن هذا مخالف للقانون الإنساني”. وحصلت نيوزلاينز على تقرير غير متداول كتبه باحث عن متعاقدي الدفاع الغربيين والتحالف الدولي. يرسم التقرير، الذي يستند إلى مقابلات تفصيلية مع مصادر في العراق وسوريا ولبنان، صورة دامغة عن قيام منظمة SOSCO بتحويل الأموال من المانحين الدوليين، وخاصة في فرنسا، إلى ميليشيات نظام الأسد مع الإفلات من العقاب، والتي يزعم التقرير أنها كانت بمثابة “سر مفتوح”.
وفي رسالة بريد إلكتروني تم إرسالها على ما يبدو في عام 2016 وحصلت عليها نيوزلاينز لاحقًا، قرع أحد موظفي SOSCO جرس الإنذار للإدارة العليا بشأن “إمكانية تتبع” أموال المنظمة. كما أثارت الرسالة الإلكترونية مخاوف بشأن المخاطر الشخصية التي يتحملها الوسطاء الذين ينقلون آلاف اليوروهات في وقت واحد.
قالت الدكتورة سميرة مبيض، نائبة رئيس منظمة “مسيحيون سوريون من أجل السلام” ومقرها باريس، وهي منظمة دولية غير حكومية دقت ناقوس الخطر عند السلطات الفرنسية ضد منظمة SOSCO، أن “الرواية السياسية كانت أن الأسد يقوم بحماية الأقليات، وكانت هذه رواية رائجة”.
وقالت مبيض، والتي كانت منظمتها المسيحية السورية واحدة من أوائل الذين أطلقوا صافرة الإنذار عن نشاط SOSCO المزعوم في سوريا، إن الحملة الإعلانية لـ SOSCO تمت صياغتها بشكل مخادع وبلغة تدعي حماية أقلية محاصرة في منطقة حرب. إلا أنه كان مشروعًا أيديولوجيًا عميقًا يدعم الميليشيات الموالية للأسد التي ترتكب جرائم حرب. وأضافت مبيض: “استخدمت SOSCO إعلانات مضللة في جمع الأموال، ولم يكن لدى دافع الضرائب الفرنسي أدنى فكرة عن حقيقة الأمر، والأشخاص ذوو النوايا الحسنة أرادوا فقط مساعدة المدنيين في سوريا”.
المصدر: نيوزلاينز