27.4 C
Damascus
الإثنين, أبريل 29, 2024

ليلة الزلزال…وظهرت للخيمة منفعةٌ

فادي شباط – وكالة سنا

ضرب فجر يوم الاثنين 6 شباط 2023، زلزال مزدوج بقوة 7.7 و 7.6 على مقياس ريختر، 10 ولايات في جنوب تركيا ومناطق عديدة في شمال غرب سورية، أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة جداً.

واستمر الزلزال الأول لنحو 65 ثانية، فيما بلغت مدة الزلزال الثاني نحو 45 ثانية، ويُعد الأول أعنف زلزال يضرب المنطقة منذ 2000 عام، إذ يُعادل قوة 500 قنبلة نووية، بحسب “أورهان تتار” مدير قسم الزلازل والحد من المخاطر في منظمة “آفاد” التركية، ووصفه “مارتن جريفيث” مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة، بالحدث الأسوأ الذي تشهده المنطقة منذ 100 عام.

مع انبلاج ضوء الفجر وبالتزامن مع انطلاق عمليات البحث والإنقاذ سرعان ما بدأ الطلب على الخيام بكثافة، حيث قضت مئات آلاف العائلات يومها وسط الطقس البارد وتحت الأمطار بين الأشجار وأطراف الطرقات، ولعدم توفر العدد الكافي من الخيام عادت كثير من العائلات إلى منازلها المتصدعة قبل الكشف عنها هندسياً وسط خطر انهيارها في أيّة لحظة، ونصب عدد منهم خيامهم جانب منازلهم المتضررة وفي ساحات المدارس والمدن الصناعية والحدائق والملاعب.

حاول أصحاب المنازل المتصدعة الصمود في بيوتهم إلى مساء يوم 20 شباط، حيث أعلنت الكثير من العائلات استسلامها للأمر الواقع وانشغلت بحثاً عن مخيم هنا أو خيمة هناك، وفي الساعة الثامنة ضرب المنطقة زلزال بقوة 6.4 وآخر بقوة 5.8، تسببا بانهيار بعض الأبنية المتصدعة الخالية من سكانها وإصابة 190 شخصاً بكسور ورضوض وجروح متفاوتة وحالات إغماء جراء الهلع والخوف من سقوط الأبنية فوق رؤوسهم.

تسبب الزلزال في مناطق شمال غرب سورية بخسائر بشرية ومادية فادحة، حيث بلغت الحصيلة حتى مساء 13 شباط نحو 2274 وفاة، وأكثر من 12400 إصابة، وانهيار أكثر من 550 مبنى، وتضرر أكثر من 1570 مبنى بشكل جزئي، وتصدع آلاف المباني والمنازل، فيما لم تُسجل المخيمات أضراراً بليغة، بحسب توثيق منظمة الدفاع المدني السوري وعمليات مطابقة ومقاطعة المعلومات مع أغلب الجهات الطبية.

ووفق حصيلة فريق منسقو استجابة سوريا الصادرة صباح 28 شباط، وصلت حالات الوفاة إلى 4108، منهم 245 من العاملين الإنسانيين والكوادر العاملة ضمن المؤسسات، وتجاوز عدد المتضررين بشكل عام إلى 1112743 نسمة، بينهم 201834 نازحاً، يُشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة نحو 64% منهم.

ووثّق الفريق تضرر 1733 منزلاً بشكل كلي، وتصدّع 15844 بناء، منها 378 منشأة تعليمية، و57 منشأة طبية، إضافةً إلى وجود 3734 منزلاً بحاجة إلى الهدم الفوري، وشكلت الأضرار الجسيمة نسبة 28%، والأضرار المتوسطة 43%، والأضرار الخفيفة 29%، وقدّر الفريق تكاليف الخسائر الاقتصادية في القطاعين العام والخاص بأكثر من 688 مليون دولار أمريكي.

حتى اليوم تحاول كثير من العائلات إيجاد خيمة حتى لو كان بسعرها الذي ارتفع للضعف جرّاء تزايد الطلب عليها، حيث كان سعر الخيمة الممتازة قبل الزلزال لا يتجاوز 100 دولار، ووصل سعرها بعد الزلزال إلى 300 دولار، كما ارتفعت عدد المخيمات المُنظمة والعشوائية بشكل رهيب وازدادت أعداد مراكز الإيواء الجماعي، لا سيّما مع استمرار الهزات الارتدادية والتي بلغ عددها حتى نهاية شهر شباط

نحو 10282هزة.

وبلغ عدد المخيمات في مناطق شمال غرب سورية حتى مطلع العام الجاري بنحو 1633 مخيماً، بينها 514 مخيماً عشوائياً، يعيش فيها 1811578 إنساناً، بينهم 1017871 طفلاً، و73188 من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتبلغ نسبة عجز الاستجابة الإنسانية فيها 56.1% لقطاع الأمن الغذائي وسبل العيش، و67.3% لقطاع المياه والإصحاح، و83.6% لقطاع الصحة والتغذية.

على الرغم من أن مخيمات المهجرين تمثل حالة انعدام الاستقرار وتواجه معاناة جمّة صيفاً وشتاءً، وتعيش كارثة إنسانية منذ سنوات جرّاء ارتفاع معدلات البطالة وتزايد الفقر بسبب بعدها عن مراكز المدن، وغالباً ما يطلق سكانها نداءات الاستغاثة عند تقليص المعونة عنهم أو في فصل الشتاء، إلّا أن قاطنيها كان لهم الدور الأبرز في عمليات البحث والإنقاذ والإيواء وتقديم العون للمتضررين والنازحين بحسب ما قال السيد نور الدين الذي اضطر لمغادرة منزله المتصدع في مدينة جنديرس بريف حلب متوجهاً إلى خيام أقاربه في مخيمات بلدة أطمة شمال إدلب.

ويشير محدثنا إلى فقدانه كامل الثقة بالعودة إلى الحياة داخل منزل طابقي بسبب حالة الخوف الشديد التي أصابت زوجته وأطفاله الثلاثة أثناء الزلزال، فما زالت اللحظة الأولى عالقةً في أذهانهم وكأن الزمن توقف عندها، لافتاً إلى أنه ينوي شراء قطعة أرض صغيرة لينصب عليها خيمته التي اشتراها بـ 200 دولار أمريكي.

رغم شح المساعدات الإنسانية استقبل المهجرون في مخيمي دير بلوط والمحمدية نحو 80 عائلة نازحة من مدن عديدة متضررة أبرزها جنديرس، تأسس المخيمان في منتصف العام 2018، ومع مرور الأيام تمكن القاطنون من استبدال القماش الجانبي للخيام بالطوبة، وأصبح لكل خيمة بابٌ حديدي وحمامٌ ومطبخٌ خاص بها، وبقي السقف شادراً من القماش أو النايلون.

لم يميز فداء الصالح أيهما أشد قسوةً، الزلزال أم البرد، كلاهما كان قاتلاً، مدخل البناء الذي كان يقطن فيه شبه مدمر لكنه لم يسقط بعد، كانوا كثر، لكنهم وحدهم تماماً، انقطاع التيار الكهربائي ترافق مع انقطاع خدمات الإنترنت وخدمات شبكة الاتصالات التركية.

ويضيف أنه خلال السنوات الماضية كان حلم كل مهجر امتلاك منزل بجدران إسمنتية وسقف يحميه، لكن بعد اليوم لا أمان للجدران، مُشيراً إلى أن أصحاب الخيام الذين كانوا يلجؤون إلى المنازل في عواصف الشتاء الماضية أعلنوا هذه المرة عن ترحابهم بمن نجا من أصحاب المنازل.

لم يخطر بباله مكان يجلي عائلته إليه سوى مخيم دير بلوط القريب من مدينة جنديرس، فهناك لا جدران تهتز ولا أسقف تسقط، وتلقى رسالةً من صديقه في المخيم يقول فيها، عزيزي فداء، خيمتي فيها غرفتان، واحدة لك ولعائلتك، والثانية لنا، تعال مباشرةً، أنتظرك، وهكذا وافق الصالح على عرض لم يحظ به سوى قلّة في مدينة جنديرس التي يسكنها أكثر من 3500 عائلة، نصفهم مهجر من دمشق وريفها وحمص ودير الزور، لم يميز الزلزال بينهم، ويختم كلامه بغصة واضحة: لم يعد أحد يبحث عن منزل اسمنتي، الجميع يبحث عن خيمة، أيّة خيمة، ويبدو لا مفرّ منها مهما حاولنا.

أما أم نهاد فقد نزحت إلى مخيم المحمدية برفقة أسرتها تحت تأثير الصدمة بسبب ما عاشته من لحظات قاسية أثناء الزلزال، فعلى الرغم من أنها لم تقبل السكن في مخيم منذ أن هُجّرت من مدينة حلب في أواخر العام 2016، لكنها اليوم مع أطفالها ترفض قطعاً العيش داخل منزل إسمنتي، وتُفضل الخيام أو البيوت مسبقة الصنع “كرافانات”.

كما تمكّن مهدي العبد الله من حجز مكان له ولأسرته داخل مركز إيواء جماعي في مدينة عفرين، ولا يرى حضور أيّة بوادر لتعويض المتضررين من الزلزال، فحكومة الإنقاذ السورية التي تُشرف على منطقة إدلب، والحكومة السورية المؤقتة التي تُشرف على مناطق ريف حلب، ما زالتا بعيدتين جداً عن تنفيذ وفرض الإجراءات الحكومية الحقيقية، حسب وصفه، ما يعني أنه سيبقى في مركز الإيواء لفترة طويلة جداً، الأمر الذي يدفعه إلى بذل جهد كبير للانتقال إلى أحد المخيمات، فبالمقارنة مع مركز الإيواء قد تحظى الخيمة بخصوصية أكبر.

السيدة أم جميل المهجرة من ريف حماة، تقطن في مخيم الكرامة بريف إدلب، كانت تلح مراراً وتكراراً على زوجها للانتقال إلى منزل إسمنتي، لكنها بعد أن فقدت عدداً كبيراً من أقاربها لحظة الزلزال باتت تُفضل الخيمة على المنزل، وتقول نحن في الخيام لم نسلم من الخوف والهلع فما بال سكان المنازل وحالهم اليوم.

ينحدر أبو جابر من منطقة درعا جنوبي سورية، نجا لأكثر من مرة بأعجوبة من الرصاص وقذائف المدافع وصواريخ الطائرات، هُجّر إلى منطقة عفرين بريف حلب في أواخر العام 2018، وما زال اهتزاز الأرض والمباني وأصوات انهيار المنازل ومحتوياتها وصراخ النساء والأطفال بالتزامن مع انقطاع الكهرباء والاتصالات في الزلزال الأول، مشهداً يسيطر على ذاكرته، لجأ إلى منازل أقاربه في مدينة أعزاز بريف حلب، هناك شعر أيضاً بالخوف الشديد خلال زلزال 20 شباط، ما دفعه ليتساءل: إلى أين الفرار، فحين تسقط القذائف نتوجه إلى الأقبية، وحين تُضرب الأسلحة الكيماوية نصعد إلى الأعلى، وحين يضرب الزلزال نخرج من منازلنا، يبدو أن قدرنا أن نعيش بقية حياتنا في خيمة تأوينا، وننتظر الخاتمة المجهولة.

تخوض ورشات الخياطة والحدادة في مناطق شمال غرب سورية سباقاً مع الزمن من أجل تصنيع أكبر عدد ممكن من الخيام المتنوعة بسبب تزايد الطلب عليها من قبل الأفراد والفرق التطوعية والمنظمات الإنسانية، وعدم ثقة كثير من العائلات في إكمال حياتها داخل بيوت إسمنتية لا سيّما أصحاب المنازل المتصدعة التي باتت غير صالحة للسكن.

فرضت الحرب الدائرة في سورية منذ آذار 2011 ظاهرة المخيمات، وأصبح للخيام أشكال وأنواع مختلفة بمساحات متعددة، أبرزها خيمة القوس التي تُعتبر الأفضل بسبب سقفها وجدرانها المؤلفة من قطعة واحدة منحنية، حيث لا تتجمع المياه والثلوج فوقها، وأعمدتها مصنوعة من الحديد، كما أنها مقاومة للهواء الشديد، وخيمة السفينة المعروفة بخيمة المفوضية، التي تتسع لخمسة أشخاص، وهي مصنوعة من مواد مُثبطة للاحتراق، ومقاومة للماء والعفن، وخيمة الجملون التي تمتاز بأعمدة وعوارض معدنية وأغطية من قماش جيد، وتقاوم تسرب المياه وتتحمل العوامل الجوية بشكل نسبي، والعديد من الخيام المصنوعة من الخشب والبلاستيك.

يقول نادر متحسراً إن الخيمة مهما اختلفت عن خيمة أخرى يبقى اسمها خيمة، ويأمل أن يعود إلى مدينة دمشق التي نشأ فيها ويعرفها منذ صغره، فهناك من النادر جداً حصول كوارث طبيعية، وإن وقعت كارثة يكفيه أن يموت تحت سقف منزله بمنطقته التي هُجر منها رغماً عنه.

وحسرةً أخرى تخرج من فم السيدة أم حنان حيث تقول: من الطبيعي أن تصبح الخيمة حلماً، فنحن نعيش في شبه دولة، تُشرف عليها شبه حكومة، يسيطر حلكة الظلام على كافة مفاصلها، فلا الاستقرار استقرار، ولا العمل عمل، ولا الأجور أجور، ولا الحياة حياة، وتخشى أن تكون الخيمة التي فُرضت عليها مؤخراً، شبه خيمة.

لم ينتهِ الزلزال، حتى اليوم تهتز الأرض تحت أقدام الطفلة جميلة، تراها بين الفينة والأُخرى تركض مسرعةً خارج الخيمة خوفاً من سقوط السقف عليها، تنسى أنها في منزلها الجديد، في خيمة سقفها من قماش، ومهما بلغت الأضرار فيها لن تكون كأصغر ضرر يصيب بناءً إسمنتي.

الأبنية السكنية العشوائية غير المتوافقة مع الزلازل والكوارث الطبيعية، وما خلفته الآلات العسكرية وعمليات القصف المستمر منذ سنوات، والبنية التحتية الهشة، وضعف قدرات الاستجابة الإنسانية والطوارئ، والواقع الصحي المتردي بسبب قلة الكوادر والمعدات والمستهلكات، وغياب وجود مؤشرات لتعويض المتضررين، جميعها عوامل دفعت السكان إلى تغيير مسار حياتهم، فالخيمة التي كان يهرب منها الجميع وظهر منافع لها بعد الزلزال، باتت حلماً، مع قادم الأيام لن يكون صعب المنال.

 

أخبار ذات صلة

آخر الأخبار